تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٢٦
تخصيص الجواز بالفارسية لأنها أشرف اللغات بعد العربية لخبر لسان أهل الجنة العربي والفارسي الدري. وفي رواية أخرى أنها إنما تجوز بالفارسية إذا كان ثناء كسورة الإخلاص أما إذا كان غيره فلا تجوز. وفي أخرى أنها إنما تجوز بالفارسية في الصلاة إذا كان المصلي عاجزا عن العربية وكان المقروء ذكرا وتنزيها أما القراءة بها في غير الصلاة أو في الصلاة وكان القاريء يحسن العربية أو في الصلاة وكان القارىء عاجزا عن العربية لكن كان المقروء من القصص والأوامر والنواهي فإنها لا تجوز، وذكر أن هذا قول صاحبيه. وكان رضي الله تعالى عنه قد ذهب إلى خلافه ثم رجع عنه إليه. وقد صحح رجوعه عن القول بجواز القراءة بغير العربية مطلقا جمع من الثقات المحققين. وللعلامة حسن الشرنبلالي رسالة في تحقيق هذه المسألة سماها النفحة القدسية في أحكام قراءة القرآن وكتابته بالفارسية فمن أراد التحقيق فليرجع إليها. وكان رجوع الإمام عليه الرحمة عما اشتهر عنه لضعف الاستدلال بهذه الآية عليه كما لا يخفى على المتأمل.
وفي " الكشف " أن القرآن كان هو المنزل للإعجاز إلى آخر ما يذكر في معناه فلا شك أن الترجمة ليست بقرآن وإن كان هو المعنى القائم بصاحبه فلا شك أنه غير ممكن القراءة، فإن قيل: هو المعنى المعبر عنه بأي لغة كان قلنا لا شك في اختلاف الأسامي باختلاف اللغات وكما لا يسمى القرآن بالتوراة لا يسمى التوراة بالقرآن فالأسماء لخصوص العبارات فيها مدخل لا أنها لمجرد المعنى المشترك اه‍، وفيه بحث فإن قوله تعالى: * (ولو جعلناه قرآنا أعجميا) * (فصلت: 44) يستلزم تسميته قرآنا أيضا لو كان أعجميا فليس لخصوص العبارة العربية مدخل في تسميته قرآنا، والحق أن قرآنا المنكر لم يعهد فيه نقل عن المعنى اللغوي فيتناول كل مقروء، أما القرآن باللام فالمفهوم منه العربي في عرف الشرع فلخصوص العبارة مدخل في التسمية نظرا إليه، وقد جاء كذلك في الآية الدالة على وجوب القراءة أعني قوله سبحانه: * (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) * وبذلك تم المقصود، وجعل من فيه للتبعيض وإرادة المعنى من هذا البعض لا يخفى ما فيه، وقيل: ضمير * (إنه) * عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بواضح. وقرأ الأعمش * (زبر) * بسكون الباء.
* (أو لم يكن لهم ءاية أن يعلمه علماء بنىإسراءيل) * * (أو لم يكن لهم ءاية) * الهمزة للتقرير أو للإنكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل: اغفلوا عن ذلك ولم يكن لهم آية دالة على أنه تنزيل رب العالمين وإنه لفي زبر الأولين على أن * (لهم) * متعلق بالكون قدم على اسمه وخبره للاهتمام أو بمحذوف هو حال من * (آية) * قدمت عليها لكونها نكرة و * (آية) * خبر للكون قدم على اسمه الذي هو قوله تعالى: * (أن يعلمه علماؤا بني إسرائيل) * لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، والعلم بمعنى المعرفة والضمير للقرآن أي ألم يكن لهم آية معرفة علماء بني إسرائيل القرآن بنعوته المذكورة في كتبهم، وعن قتادة أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: العلم على معناه المشهور والضمير للحكم السابق في قوله تعالى: * (وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك) * (الشعراء: 192 - 194) الخ وفيه بعد كما لا يحفى، وذكر الثعلبي عن ابن عباس أن أهل مكة بعثوا إلى أحبار يثرب يسألونهم عن النبي فقالوا: هذا زمانه وذكروا نعته وخلطوا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية في ذلك، وهو ظاهر في أن الضمير له عليه الصلاة والسلام ويؤيده كون الآية مكية. وقال مقاتل: هي مدنية، وعلماء بني إسرائيل عبد الله بن سلام ونحوه كما روى عن ابن عباس. ومجاهد، وذلك أن جماعة منهم أسلموا ونصوا على مواضع من التوراة والإنجيل
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»