الجالوت بالكوفة وهو يفادى من النساء ما لم يقع عليه العرب ولا يفادى من وقع عليه العرب فقال له عبد الله بن سلام: أما إنه مكتوب عندك في كتابك أن فادوهن كلهن، وروى محيي السنة عن السدي أن الله تعالى أخذ على بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعضهم بعضا ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام من ثمنه فأعتقوه، ولعل كفرهم بما ارتكبوا لاعتقادهم عدم الحرمة مع دلالة صريح التوراة عليها لكن ما في " الكشاف " من أنه قيل لهم: كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم؟ فقالوا: أمرنا بالفداء وحرم علينا القتال لكنا نستحي من حلفائنا يدل على أنهم لا ينكرون حرمة القتال فاطلاق الكفر حينئذ على فعل ما حرم إما لأنه كان في شرعهم كفرا أو أنه للتغليظ كما أطلق على ترك الصلاة ونحوه ذلك في شرعنا، والقول بأن المعنى أتستعملون البعض وتتركون البعض فالكلام محمول على المجاز بهذا الاعتبار لا اعتبار به كالقول بأن المراد بالبعض المؤمن به نبوة موسى عليه السلام، والبعض الآخر نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم.
* (فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحيواة الدنيا) * الإشارة إلى الكفر ببعض الكتاب والإيمان ببعض، أو إلى ما فعلوه من القتل والاجلاء مع مفاداة - الأسارى - والجزاء المقابلة؛ ويطلق في الخير والشر. - والخزي - الهوان، والماضي - خزي - بالكسر، وقال ابن السكيت: معنى - خزي - وقع في بلية - وخزي - الرجل - خزاية - إذا استحى وهو - خزيان - وقوم - خزايا - وامرأة - خزيا - والمراد به هنا الفضيحة والعقوبة أو ضرب الجزية غابر الدهر أو غلبة العدو أو قتل قريظة وإجلاء النضير من منازلهم إلى أريحاء وأذرعات.
وقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كان عادة بني قريظة القتل وعادة بني النضير الإخراج فلما غلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى بني النضير وقتل رجال قريظة وأسر نساءهم وأطفالهم وتنكير - الخزي - للإيذان بفظاعة شأنه وأنه بلغ مبلغا لا يكنه كنهه، ومن هنا لم يخصه بعضهم ببعض الوجوه، وادعى أن الأظهر ذلك وجعل الإشارة إلى الكفر ببعض الكتاب والإيمان ببعض أي بعض كان ولذلك أفردها، وحينئذ يتناول الكفرة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونظيره من يفعل جميع ذلك، و (الدنيا) مأخوذة من دنا يدنو وياؤها منقلبة عن - واو - ولا يحذف منها - الألف واللام - إلا قليلا، وخصه أبو حيان في الشعر، و (ما) نافية و (من) إن جعلت موصولة فلا محل ليفعل من الإعراب، وإن جعلت موصوفة فمحله الجر على أنه صفتها، و (منكم) حال من فاعل - يفعل -. و (إلا خزي) استثناء مفرغ وقع خبرا للمبتدأ ولا يجوز النصب في مثل ذلك على المشهور. ونقل عن يونس إجازته في الخبر بعد (إلا) كائنا ما كان، وقال بعضهم: إن كان (ما) بعد إلا هو الأول في المعنى أو منزل منزلته لم يجز فيه إلا الرفع عند الجمهور، وأجاز الكوفيون النصب فيما كان الثاني فيه منزلا منزلة الأول، وإن كان وصفا أجاز فيه الفراء النصب - ومنعه البصريون - وحكى عنهم أنهم لا يجوزون النصب في غير المصادر إلا أن يعرف المعنى فيضمر ناصب حينئذ وتحقيقه في محله.
* (ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب) * أي يصيرون إليه فلا يلزم كينونتهم قبل ذلك في أشد العذاب، وقد يراد بالرد الرجوع إلى ما كانوا فيه كما في قوله تعالى: * (فرددناه إلى أمه) * (القصص: 13) وكأنهم كانوا في الدنيا، أو في القبور في أشد العذاب أيضا فردوا إليه، والمراد به الخلود في النار وأشديته من حيث إنه لا انقضاء له، أو المراد أشد