عن المنكر، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: قولوا لهم لا إله إلا الله مروهم بها، وقال ابن جريج: أعلموهم بما في كتابكم من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقول أبي العالية في المرتبة العالية - والظاهر أن هذا الأمر من جملة الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل: ومن قال: إن المخاطب به الأمة وهو محكم أو منسوخ بآية السيف أو إن الناس مخصوص بصالحي المؤمنين إذ لا يكون القول الحسن مع الكفار والفساق لأنا أمرنا بلعنهم وذمهم ومحاربتهم - فقد أبعد - وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب * (حسنا) * - بفتحتين - وعطاء وعيسى - بضمتين - وهي لغة الحجاز وأبو طلحة بن مصرف * (حسنى) * على وزن فعلى، واختلف في وجهه فقيل: هو مصدر كرجعى، واعترضه أبو حيان بأنه غير مقيس ولم يسمع فيه، وقيل: هو صفة كحبلى أي مقالة أو كلمة حسنى وفي الوصف بها وجهان أحدهما: أن تكون باقية على أنها للتفضيل واستعمالها بغير الألف واللام والإضافة للمعرفة نادر وقد جاء ذلك في الشعر كقوله:
وإن دعوت إلى جلى ومكرمة * يوما كرام سراة الناس فادعينا وثانيهما: أن تجرد عن التفضيل فتكون بمعنى - حسنة - كما قالوا ذلك في: (يوسف أحسن إخوته) وقرأ الجحدري: * (إحسانا) * على أنه مصدر أحسن الذي همزته للصيرورة كما تقول: أعشبت الأرض إعشابا أي صارت ذا عشب فهو حينئذ نعت لمصدر محذوف أي قولا ذا حسن.
* (وأقيموا الصلواة وءاتوا الزكاة) * أراد سبحانه بهما ما فرض عليهم في ملتهم لأنه حكاية لما وقع في زمان موسى عليه السلام وكانت زكاة أموالهم - كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قربانا تهبط إليها نار فتحملها - وكان ذلك علامة القبول - وما لا تفعل النار به كذلك كان غير متقبل، والقول بأن المراد بهما هذه الصلاة وهذه الزكاة المفروضتان علينا، والخطاب لمن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم من أبناء اليهود لا غير، والأمر بهما كناية عن الأمر بالإسلام، أو للإيذان بأن الكفار مخاطبون بالفروع أيضا ليس بشيء كما لا يخفى.
* (ثم توليتم) * أي أعرضتم عن الميثاق ورفضتموه. و * (ثم) * للاستبعاد أو لحقيقة التراخي فيكون توبيخا لهم بالارتداد بعد الانقياد مدة مديدة وهو أشنع من العصيان من الأول، وقد ذكر بعض المحققين أنه إذا جعل ناصب الظرف خطابا له صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فهذا التفات إلى خطاب بني إسرائيل جميعا بتغليب أخلافهم على أسلافهم لجريان ذكرهم كلهم حينئذ على نهج الغيبة، فإن الخطابات السابقة للأسلاف محكية بالقول المقدر قبل لا تعبدون كأنهم استحضروا عند ذكر جناياتهم فنعيت عليهم - وإن جعل خطابا لليهود المعاصرين - فهذا تعميم للخطاب بتنزيل الأسلاف منزلة الأخلاف كما أنه تعميم للتولي بتنزيل الأخلاف منزلة الأسلاف للتشديد في التوبيخ، وقيل: الالتفات إنما يجىء على قراءة * (لا يعبدون) * بالغيبة، وأما على قراءة الخطاب - فلا التفات - ومن الناس من جعل هذا الخطاب خاصا بالحاضرين في زمنه عليه الصلاة والسلام وما تقدم خاصا بمن تقدم، وجعل الالتفات على القراءتين لكنه بالمعنى الغير المصطلح عليه أن كون الالتفات بين خطابين لاختلافهما لم يقل به أهل المعاني - لكنه وقع مثله في كلام بعض الأدباء - وما ذكرناه من التغليب أولى وأحرى خلافا لمن التفت عنه.
* (إلا قليلا منكم) * وهم من الأسلاف من أقام اليهودية على وجهها قبل النسخ، ومن الأخلاف من أسلم كعبد الله بن سلام وأضرابه فالقلة في عدد الأشخاص، وقول ابن عطية: إنه يحتمل أن تكون في الإيمان أي لم