تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣١٦
ليروكم فيتبعوكم فيها وبالزامكم إياهم رذائل القوتين البهيمية والسبعية وتحريضكم لهم عليها * (وإن يأتوكم أسارى) * في قيد ما ارتكبوه ووثاق شين ما فعلوه قد أخذتهم الندامة وعيرتهم عقولهم وعقول أبناء جنسهم بما لحقهم من العار والشنار تفادوهم بكلمات الحكمة والموعظة الدالة على أن اللذات المستعلية هي العقلية والروحية وأن اتباع النفس مذموم رديء فيتعظوا بذلك ويتخلصوا من هاتيك القيود سويعة * (أفتؤمنون) * ببعض كتاب العقل والشرع قولا وإقرارا * (وتكفرون ببعض) * فعلا وعملا فلا تنتهون عما نهاكم عنه * (فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا) * ذلة وافتضاح في الحياة الدنيا ويوم مفارقة الروح البدن * (تردون إلى أشد العذاب) * وهو تعذيبهم بالهيآت المظلمة الراسخة في نفوسهم واحترافهم بنيرانها * (وما الله بغافل) * (البقرة: 85) عن أفعالكم أحصاها وضبطها في أنفسكم وكتبها عليكم.
* (ولقد ءاتينا موسى الكت‍ابوقفينا من بعده بالرسل وءاتينا عيسى ابن مريم البين‍ات وأيدن‍اه بروح القدس أفكلما جآءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون) * * (ولقد ءاتينا موسى الكت‍اب) * شروع في بيان بعض آخر من جناياتهم، وتصديره بالجملة القسمية لإظهار كمال الاعتناء به، و - الايتاء - الاعطاء، و (الكتاب) التوراة في قول الجمهور وهو مفعول ثان - لآتينا - وعند السهيلي مفعول أول، والمراد باتيانها له إنزالها عليه. وقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن التوراة نزلت جملة واحدة فأمر الله تعالى موسى عليه السلام بحملها فلم يطق فبعث بكل حرف منها ملكا فلم يطيقوا حملها فخففها الله تعالى لموسى عليه السلام فحملها، وقيل: يحتمل أن يكون - آتينا - الخ افهمناه ما انطوى عليه من الحدود والأحكام والأنباء والقصص وغير ذلك مما فيه، والكلام على حذف مضاف أي علم - الكتاب - أو فهمه وليس بالظاهر * (وقفينا من بعده بالرسل) * يقال - قفاه - إذا اتبعه - وقفاه - به إذا أتبعه إياه من - القفا - وأصل هذه الياء واو لأنها متى وقعت رابعة أبدلت كما تقول عريت من العرو أي أرسلناهم على أثره كقوله تعالى: * (ثم أرسلنا رسلنا تترى) * (المؤمنون: 44) وكانوا إلى زمن عيسى عليه السلام أربعة آلاف، وقيل: سبعين ألفا وكلهم على شريعته عليه السلام منهم يوشع وشمويل وشمعون. وداود وسليمان وشعياء وارمياء وعزيز وحزقيل والياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وغيرهم عليهم الصلاة والسلام، وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر - بالرسل - بتسكين السين، وهو لغة أهل الحجاز والتحريك لغة تميم * (وءاتينا عيسى ابن مريم البين‍ات) * أي الحجج الواضحة الدالة على نبوته فتشمل كل معجزة - أوتيها - عليه السلام وهو الظاهر، وقيل: الانجيل، وعيسى أصله بالعبرانية أيشوع بهمزة ممالة بين بين، أو مكسورة - ومعناه السيد - وقيل: المبارك فعرب، والنسبة إليه عيسي وعيسوي وجمعه عيسون بفتح السين - وقد تضم - وأفرده عن الرسل عليه السلام لتميزه عنهم لكونه من أولي العزم وصاحب كتاب، وقيل: لأنه ليس متبعا لشريعة موسى عليه السلام حيث نسخ كثيرا من شريعته، وأضافه إلى أمه ردا على اليهود إذ زعموا أن له أبا، ومريم بالعبرية الخادم وسميت أم عيسى به لأن أمها نذرتها لخذمة بيت المقدس، وقيل: العابدة، وبالعربية من النساء من تحب محادثة الرجال فهي كالزير من الرجال، وهو الذي يحب محادثة النساء، قيل: ولا يناسب مريم أن يكون عربيا لأنها كانت برية عن محبة محادثة الرجال اللهم إلا أن يقال سميت بذلك تمليحا كما يسمى الأسود كافورا، وقال بعض المحققين: لا مانع من تسميتها بذلك بناء على أن شأن من تخدم من النساء ذلك، وفي " القاموس " هي التي تحب محادثة الرجال ولا تفجر - وعليه لا بأس بالتسمية كما ذكره المولى عصام - والأولى عندي أن التسمية وقعت بالعبري لا بالعربي بل يكاد يتعين ذلك كما لا يخفى على المنصف؛ وعن الأزهري المريم المرأة التي لا تحب مجالسة الرجال وكأنه قيل لها ذلك تشبيها لها بمريم البتول ووزنه عربيا مفعلا لا فعيلا
(٣١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»