تكرير للاعتراض لتأكيد الإلزام وتشديد التهويل أي: إن كنتم مؤمنين فلم تقتلونهم وقد حذف من كل واحدة من الشرطيتين ما حذف ثقة بما أثبت في الأخرى على طريق الاحتباك، وقيل: إن المذكور قبل جواب لهذا الشرط بناء على جواز تقديمه وهو رأي الكوفيين وأبي زيد، واختاره في " البحر "، وقال الزجاج: (إن) هنا نافية ولا يخفى بعده.
* (ولقد جآءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون) * * (ولقد جاءكم موسى بالبينات) * داخل تحت الأمر فهو من تمام التبكيت والتوبيخ وكذا ما يأتي بعد لا تكرير لما قص من قبل، والمراد بالبينات الدلائل الدالة على صدقه عليه السلام في دعوته والمعجزات المؤيدة لنبوته كالعصا واليد، وانفلاق البحر مثلا؛ وقيل: الأظهر أن يراد بها الدلائل الدالة على الوحدانية فإنه أدخل في التقريع بما بعد، وعندي الحمل على العموم بحيث يشمل ذلك أيضا أولى وأظهر.
* (ثم اتخذتم العجل) * أي الذي صنعه لكم السامري من حليكم إلها * (من بعده) * أي بعد مجىء موسى عليه السلام بها ومن عد التوراة وانفجار الماء منها لم يرد الجميع بل الجنس لأن ذلك كان بعد قصة العجل وكلمة (ثم) على هذا للاستبعاد لئلا يلغو القيد. وقد يقال: الضمير لمتقدم معنى وهو الذهاب إلى الطور فكلمة (ثم) على حقيقتها، وعد ما ذكرنا من البينات حينئذ ظاهر، ويشير هذا العطف على أنهم فعلوا ذلك بعد مهلة من النظر في الآيات وذلك أعظم ذنبا وأكثر شناعة لحالهم، والتزم بعضهم - رجوع الضمير إلى البينات بحذف المضاف أي من بعد تدبر الآيات ليظهر ذلك، وعود الضمير إلى العجل، والمراد بعد وجوده أي عبدتم الحادث الذي حدث بمحضركم ليكون فيه التوبيخ العظيم - لا يخفى ما فيه من البعد العظيم المستغنى عنه بما أشرنا إليه.
* (وأنتم ظالمون) * أي واضعون الشيء في غير محله اللائق به أو مخلون بآيات الله تعالى، والجملة حال مؤكدة للتوبيخ والتهديد وهي جارية مجرى القرينة على إرادة العبادة من الاتخاذ، وفيها تعريض بأنهم صرفوا العبادة عن موضعها الأصلي إلى غير موضعها وإيهام المبالغة من حيث إن إطلاق الظلم يشعر بأن عبادة العجل كل الظلم وأن من ارتكبها لم يترك شيئا من الظلم. واختار بعضهم كونها اعتراضا لتأكيد الجملة بتمامها دون تعرض لبيان الهيئة الذي تقتضيه الحالية أي وأنتم قوم عادتكم الظلم واستمر منكم، ومنه عبادة العجل، والذي دعاه إلى ذلك زعم أنه يلزم على الحالية أن يكون تكرارا محضا فإن عبادة العجل لا تكون إلا ظلما بخلافه على هذا فإنه يكون بيانا لرذيلة لهم تقتضي ذلك، وفيه غفلة عما ذكرنا، وإذا حمل الاتخاذ على الحقيقة نحو - اتخذت خاتما - تكون الحالية أولى بلا شبهة لأن الاتخاذ لا يتعين كونه ظلما إلا إذا قيد بعبادته كما لا يخفى.
* (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا مآ ءاتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا فى قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين) * * (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما ءاتيناكم بقوة) * أي قلنا لهم خذوا ما أمرتكم به في التوراة بجد وعدم فتور * (واسمعوا) * - أي سماع تقبل وطاعة إذ لا فائدة في الأمر بالمطلق بعد الأمر بالأخذ بقوة بخلافه على تقدير التقييد فإنه يؤكده ويقرره لاقتضائه كمال إبائهم عن قبول ما آتاهم إياه ولذا رفع الجبل عليهم، وكثيرا ما يراد من السماع القبول ومن ذلك سمع الله لمن حمده وقوله: دعوت الله حتى خفت أن لا * يكون الله (يسمع) ما أقول * (قالوا سمعنا وعصينا) * أي سمعنا قولك: (خذوا واسمعوا) وعصينا أمرك فلا نأخذ ولا نسمع سماع الطاعة، وليس هذا جوابا ل (اسمعوا) باعتبار تضمنه أمرين لأنه يبقى (خذوا) بلا جواب، وذهب الجم إلى ذلك وأوردوا هنا سؤالا وجوابا، حاصل الأول أن السماع في الأمر إن كان على ظاهره فقولهم سمعنا طاعة وعصينا مناقض