أنه لو كان كذلك لجاز وقوع - الهمزة - في الكلام قبل أن يتقدمه ما كان معطوفا عليه - ولم تجيء إلا مبنية على كلام متقدم، وفي كون الهمزة الداخلة على جملة معطوفة - بالواو، أو الفاء، أو ثم - في محلها الأصلي، أو مقدمة من تأخير حيث إن محلها بعد العاطف خلاف مشهور بين أهل العربية، وبعض المحققين يحملها في بعض المواضع - على هذا - وفي البعض - على ذلك - بحسب مقتضى المقام ومساق الكلام - والقلب يميل إليه - قيل: ولا يلزم بطلان صدارة - الهمزة - إذ لم يتقدمها شيء من الكلام الذي دخلت هي عليه، وتعلق معناها بمضمونه غاية الأمر أنها توسطت بين كلامين لإفادة إنكار جمع الثاني مع الأول، أو لوقوعه بعده متراخيا أو غير متراخ، وهذا مراد من قال: إنها مقحمة مزيدة لتقرير معنى الإنكار أو التقرير، أي مقحمة على المعطوف مزيدة بعد اعتبار عطفه، ولم يرد أنها صلة و (تهوى) من - هوي - بالكسر إذا أحب، ومصدره - هوى - بالقصر، وأما - هوى - بالفتح فبمعنى سقط، ومصدره - هوى - بالضم وأصله فعول فأعل. وقال المرزوقي: - هوى - انقض انقضاض النجم والطائر، والأصمعي يقول: هوت العقاب إذا انقضت لغير الصيد، وأهوت إذا انقضت للصيد، وحكى بعضهم أنه يقال: هوى يهوي هويا - بفتح الهاء - إذا كان القصد من أعلى إلى أسفل، وهوى يهوي هويا بالضم إذا كان من أسفل إلى أعلى - وما ذكرناه أولا هو المشهور - والهوى - يكون في الحق وغيره، وإذا أضيف إلى النفس فالمراد به الثاني في الأكثر، ومنه هذه الآية. وعبر عن المحبة بذلك للإيذان بأن مدار الرد والقبول عندهم هو المخالفة لأهواء أنفسهم والموافقة لها لا شيء آخر، ومتعلق (استكبرتم) محذوف أي عن الإيمان بما جاء به مثلا، واستفعل هنا بمعنى تفعل.
* (ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون) * الظاهر أنه عطف على * (استكبرتم) * والفاء للسببية إن كان التكذيب والقتل مرتبين على الاستكبار، وللتفصيل إن كانا نوعين منه، وجوز الراغب أن يكون عطفا على * (وأيدناه) * ويكون * (أفكلما) * مع ما بعده فصلا بينهما على سبيل الإنكار، وقدم * (فريقا) * في الموضعين للاهتمام وتشويق السامع إلى ما فعلوا بهم لا للقصر، وثم محذوف أي: فريقا منهم، وبدأ بالتكذيب لأنه أول ما يفعلونه من الشر ولأنه المشترك بين المكذب والمقتول، ونسب القتل إليهم مع أن القاتل آباؤهم لرضاهم به ولحوق مذمته بهم، وعبر بالمضارع حكاية للحال الماضية واستحضارا لصورتها لفظاعتها واستعظامها، أو مشاكلة للأفعال المضارعة الواقعة في الفواصل فيما قبل، أو للدلالة على أنكم الآن فيه فإنكم حول قتل محمد صلى الله عليه وسلم ولولا أني أعصمه لقتلتموه ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة، فالمضارع للحال ولا ينافيه قتل البعض. والمراد من القتل مباشرة الأسباب الموجبة لزوال الحياة سواء ترتب عليه أولا، وقيل: لا حاجة إلى التعميم لأنه صلى الله عليه وسلم قتل حقيقة بالسم الذي ناولوه على ما وقع في الصحيح بلفظ " وهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم " وفيه أنه لم يتحقق منهم القتل زمان نزول الآية بل مباشرة الأسباب فلا بد من التعميم.
* (وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون) * * (وقالوا قلوبنا غلف) * عطف على * (استكبرتم) * (البقرة: 87) أو على * (كذبتم) * (البقرة: 87) فتكون تفسيرا للاستكبار، وعلى التقديرين فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة إعراضا عن مخاطبتهم وإبعادا لهم عن الحضور، والقائلون هم الموجودون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، و - الغلف - جمع أغلف كأحمر وحمر وهو الذي لا يفقه، قيل: وأصله ذو الغلفة الذي لم يختن، أو جمع غلاف ويجمع على غلف بضمتين أيضا. وبه قرأ ابن عباس وغيره، وأرادوا على الأول قلوبنا مغشاة بأغشية خلقية مانعة عن نفوذ ما جئت به فيها، وهذا كقولهم: * (قلوبنا في أكنة مما