لأنه لم يثبت في الأبينة على المشهور، وأثبته الصاغاني في " الذيل "، وقال: إنه مما فات سيبويه، ومنه عثير للغبار، وضهيد - بالمهملة والمعجمة - للصلب واسم موضع، ومدين على القول بأصالة ميمه، وضهيا بالقصر وهي المرأة التي لا تحيض أو لا ثدي لها من المضاهاة كأنها أطلق عليها ذلك بمشابهتها الرجل؛ وابن جني يقول: إن ضهيد وعثير مصنوعان فلا دلالة فيهما على إثبات فعيل، وذكر الساليكوتي أن عثير بمعنى الغبار - بكسر العين - وإذا كان مفعلا فهو أيضا على خلاف القياس إذ القياس إعلاله بنقل حركة الياء إلى الراء وقبلها ألفا نحو مباع لكنه شذ كما شذ مدين، ومزيد، وإذا كان من رام يريم إذا فارق وبرح فالقياس كسريائه أيضا * (وأيدناه بروح القدس) * أي قويناه بجبريل عليه السلام وإطلاق روح القدس عليه شائع فقد قال سبحانه: * (قل نزله روح القدس) * (النحل: 102) وقال صلى الله عليه وسلم لحسان رضي الله تعالى عنه: " اهجهم وروح القدس معك " ومرة قال له: " وجبريل معك " وقال حسان: وجبريل وروح القدس فينا * (وروح القدس) ليس له كفاء و (قدس) الطهارة والبركة، أو - التقديس - ومعناه التطهير. والإضافة من إضافة الموصوف إلى الصفة للمبالغة في الاختصاص، وهي معنوية بمعنى - اللام - فإذا أضيف العلم كذلك يكون مؤلا بواحد من المسمين به. وقال مجاهد والربيع: (القدس) من أسماء الله تعالى - كالقدوس - وزعم بعضهم أن إطلاق الروح على جبريل مجاز لأنه الريح المتردد في مخارق الإنسان - ومعلوم أن جبريل ليس كذلك - لكنه أطلق عليه سبيل التشبيه من حيث إن - الروح - سبب الحياة الجسمانية، وجبريل سبب الحياة المعنوية بالعلوم، وكأن هذا الزعم نشأ من كثافة روح الزاعم وعدم تغذيها بشيء من العلوم، وخص عيسى عليه السلام بذكر التأييد بروح القدس لأنه تعالى خصه به من وقت صباه إلى حال كبره، كما قال تعالى: * (إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا) * (المائدة: 110) ولأنه حفظه حتى لم يدن منه الشيطان، ولأنه بالغ إثنا عشر ألف يهودي لقتله، فدخل عيسى بيتا فرفعه عليه السلام مكانا عليا. وقيل: - الروح - هنا اسم الله تعالى الأعظم الذي كان يحيي به الموتى - وروي ذلك كالأول عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - وقال ابن زيد: الإنجيل - كما جاء في شأن القرآن - قوله تعالى: * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) * (الشورى: 52) وذلك لأنه سبب للحياة الأبدية والتحلي بالعلوم والمعارف التي هي حياة القلوب وانتظام المعاش الذي هو سبب الحياة الدنيوية، وقيل: روح عيسى عليه السلام نفسه، ووصفها به لطهارته عن مس الشيطان، أو لكرامته عليه تعالى - ولذلك أضافها إلى نفسه - أو لأنه لم يضمه الأصلاب ولا أرحام الطوامث، بل حصل من نفخ جبريل عليه السلام في درع أمه فدخلت النفخة في جوفها. وقرأ ابن كثير (القدس) - بسكون الدال - حيث وقع، وأبو حيوة (القدوس) بواو.
* (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوىأنفسكم استكبرتم) * مسبب عن قوله تعالى: * (ولقد آتينا) * بحيث لا يتم الكلام السابق بدونه كالشرط بدون الجزاء، وقد أدخلت - الهمزة - بين السبب والمسبب للتوبيخ على تعقيبهم ذلك بهذا، والتعجيب من شأنهم على معنى) ولقد آتينا موسى الكتاب وأنعمنا عليكم بكذا وكذا لتشكروا بالتلقي بالقبول - فعكستم بأن كذبتم - ويحتمل أن يكون ابتداء كلام - والفاء - للعطف على مقدر كأنه قيل: أفعلتم ما فعلتم - فكلما جاءكم - ثم المقدر يجوز أن يكون عبارة عما وقع بعد - الفاء - فيكون العطف للتفسير، وأن يكون غيره مثل * (أكفرتم النعمة واتبعتم الهوى) * فيكون لحقيقة التعقيب، وضعف هذا الاحتمال بما ذكره الرضى