تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣١١
عن الجنة التي هي داركم، وليس النفي في الحقيقة جلاء الأوطان بل البعد من رياض الجنان ولعل ما يسعده سياق النظم الكريم هو الأول. والدماء جمع دم معروف وهو محذوف - اللام - وهي - ياء - عند بعض لقوله: جرى الدميان بالخبر اليقين - وواو - عند آخرين لقولهم دموان ووزنه فعل أو فعل، وقد سمع مقصورا وكذا مشددا، وقرأ طلحة وشعيب * (تسفكون) * - بضم الفاء - وأبو نهيك - بضم التاء وفتح السين وكسر الفاء مشددة - وابن أبي إسحق كذلك إلا أنه سكن السين وخفف الفاء * (ثم أقررتم) * أي بالميثاق واعترفتم بلزومه خلفا بعد سلف فالإقرار ضد الجحد ويتعدى - بالباء - قيل ويحتمل أنه بمعنى إبقاء الشيء على حاله من غير اعتراف به - وليس بشيء - إذ لا يلائمه حينئذ * (وأنتم تشهدون) * حال مؤكدة رافعة احتمال أن يكون الإقرار ذكر أمر آخر لكنه يقتضيه، ولا يجوز العطف لكمال الاتصال ولا الاعتراض إذ ليس المعنى وأنتم عادتكم الشهادة بل المعنى على التقييد وقيل: وأنتم أيها الموجودون تشهدون على إقرار أسلافكم فيكون إسناد الإقرار إليهم جازا، وضعف بأن يكون حينئذ استبعاد القتل والإجلاء منهم مع أن أخذ الميثاق والإقرار كان من أسلافهم لاتصالهم بهم نسبا ودينا بخلاف ما إذا اعتبر نسبة الإقرار إليهم على الحقيقة فإنه يكون بسبب إقرارهم وشهادتهم - وهو أبلغ في بيان قبيح صنيعهم - وادعى بعضهم أن الأظهر: أن المراد أقررتم حال كونكم شاهدين على إقراركم بأن شهد كل أحد على إقرار غيره كما هو طريق الشهادة ولا يخفي انحطاظ المبالغة حينئذ.
* (ثم أنتم ه‍اؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من دي‍ارهم تظ‍اهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أس‍ارى تف‍ادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكت‍ابوتكفرون ببعض فما جزآء من يفعل ذالك منكم إلا خزى في الحيواة الدنيا ويوم القي‍امة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغ‍افل عما تعملون) * * (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم) * نزلت - كما في " البحر " - في بني قينقاع وبني قريظة وبني النضير من اليهود، كان بنو قينقاع أعداء بني قريظة، وكانت الأوس حلفاء بني قينقاع، والخزرج حلفاء بني قريظة، والنضير والأوس والخزرج إخوان؛ وبنو قريظة والنضير إخوان - ثم افترقوا - فصارت بنو النضير حلفاء الخزرج، وبنو قريظة حلفاء الأوس، فكانوا يقتتلون ويقع منهم ما قص الله تعالى فعيرهم الله تعالى بذلك. و * (ثم) * للاستبعاد في الوقوع - لا للتراخي في الزمان - لأنه الواقع في نفس الأمر - كما قيل به - و (أنتم) مبتدأ، وهؤلاء خبره على معنى أنتم بعد ذلك المذكور من الميثاق والإقرار والشهادة هؤلاء الناقضون، كقولك: أنت: ذلك الرجل الذي فعل كذا، وكان مقتضى الظاهر، ثم أنتم بعد ذلك التوكيد في الميثاق نقضتم العهد فتقتلون أنفسكم الخ أي صفتكم الآن غير الصفة التي كنتم عليها، لكن أدخل (هؤلاء) وأوقع خبرا ليفيد أن الذي تغير هو الذات نفسها نعيا عليهم لشدة وكادت الميثاق ثم تساهلهم فيه وتغيير الذات فهم من وضع اسم الإشارة الموضوع للذات موضع الصفة لا من جعل ذات واحد في خطاب واحد مخاطبا وغائبا، وإلا لفهم ذلك من نحو * (بل أنتم قوم تجهلون) * (النمل: 55) أيضا. وصح الحمل مع اعتبار التغير لأنه ادعائي - وفي الحقيقة واحد - وعدوا حضورا مشاهدين باعتبار تعلق العلم بما أسند إليهم من الأفعال المذكورة سابقا وغيبا باعتبار عدم تعلق العلم بهم لما سيحكى عنهم من الأفعال بعد، لا لأن المعاصي توجب الغيبة عن غير الحضور إذ المناسب حينئذ الغيبة في (تقتلون) و (تخرجون) قاله الساليكوتي، و (تقتلون) إما حال والعامل فيه معنى الإشارة أو بيان كأنه لما قيل: * (ثم أنتم هؤلاء) * قالوا كيف نحن
(٣١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 ... » »»