تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣١٥
جميع أنواع العذاب ولكن بالنسبة إلى عذاب من لم يفعل هذا العصيان لأن عصيانهم أشد من عصيان هؤلاء وجزاء سيئة سيئة مثلها ويدل على ما قررناه قوله تعالى: * (من يفعل ذلك منكم) * فلا يرد ما أورده الإمام الرازي أنه كيف يكون عذاب اليهود أشد من الدهرية المنكرين للصانع ولا يفيد ما قيل لأنهم كفروا بعد معرفتهم إنه كتاب الله تعالى وإقرارهم وشهادتهم إذ الكافر الموحد كيف يقال إنه أشد عذابا من المشرك؟! أو النافي للصانع وإن كان كفره عن علم ومعرفة، وضمير (يردون) راجع إلى (من) وأوثر صيغة الجمع نظرا إلى معناها بعد ما أوثر الإفراد نظرا إلى لفظها لما أن الرد إنما يكون بالاجتماع وغير السبك حيث لم يقل مثلا - وأشد العذاب يوم القيامة - للايذان بكمال التنافي بين جزاءي النشأتين، وتقديم - اليوم - على ذكر ما يقع فيه لتهويل الخطب وتفظيع الحال من أول الأمر، وقرأ الحسن وابن هرمز باختلاف عنهما، وعاصم في رواية المفضل - تردون - على الخطاب، والجمهور على الغيبة، ووجه ذلك أن (يردون) راجع إلى من يفعل فمن قرأ بصيغة الغيبة نظر إلى صيغة (من) ومن قرأ بصيغة الخطاب نظر إلى دخوله في (منكم) لا أن الضمير حينئذ راجع إلى (كم) كما وهم * (وما الله بغفال عما تعملون) * اعتراض وتذييل لتأكيد الوعيد المستفاد مما قبله أي - إنه بالمرصاد لا يغفل عما تعملون من القبائح - التي من جملتها هذا المنكر؛ والمخاطب به من كان مخاطبا بالآية قبل، وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: إن بني إسرائيل قد مضوا وأنتم تعنون بهذا يا أمة محمد وبما يجري مجراه، وقرأ نافع وابن كثير وأبو بكر - يعملون - بالياء على أن الضمير لمن والباقون بالتاء من فوق.
* (أول‍ائك الذين اشتروا الحيواة الدنيا بالاخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) * * (أول‍ئك الذين اشتروا الحيواة الدنيا بالآخرة) * أي آثروا الحياة الدنا واستبدلوها بالآخرة وأعرضوا عنها مع تمكنهم من تحصيلها * (فلا يخفف عنهم العذاب) * الموعودون به يوم القيامة أو مطلق (العذاب) دنيويا كان أو أخرويا.
* (ولا هم ينصرون) * بدفع الخزي إلى آخر الدنيا أو بدفع الجزية في الدنيا، والتعذيب في العقبى، وعلى الاحتمال الأول في الأمرين يستفاد نفي دفع العذاب من نفي تخفيفه بأبلغ وجه وآكده، ورجحه بعضهم بأن المقام على الثاني يستدعي تقديم نفي الدفع على نفي التخفيف، وتقديم المسند إليه لرعاية الفاصلة والتقوى لا للحصر إذ ليس المقام مقامه، ولذا لم يقل فلا عنهم يخفف العذاب، والجملة معطوفة على الصلة. ويجوز أن يوصل الموصول بصلتين مختلفتين زمانا، وجوز أن يكون (أولئك) مبتدأ و (الذين) خبره، وهذه الجملة خبر بعد خبر، والفاء لما أن الموصول إذا كانت صلته فعلا كان فيها معنى الشرط، وفيه أن معنى الشرطية لا يسري إلى المبتدأ الواقعة خبرا عنه، وجوز أيضا أن يكون (أولئك) مبتدأ و (الذين) مبتدأ ثان، وهذه الجملة خبر الثاني، والمجموع خبر الأول، ولا يحتاج إلى رابط لأن الذين هم أولئك، ولا يخفى ما فيه هذا ومن باب الإشارة في هذه الآيات * (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم) * بميلكم إلى هوى النفس وطباعها ومتاركتكم حياتكم الحقيقية لأجل تحصيل لذاتكم الدنية ومآربكم الدنيوية * (ولا تخرجون) * ذواتكم من مقاركم الروحانية، ورياضتكم القدسية * (ثم أقررتم) * بقبولكم لذلك * (وأنتم تشهدون) * (البقرة: 84) عليه باستعداداتكم الأولية وعقولكم الفطرية * (ثم أنتم هؤلاء) * الساقطون عن الفطرة المحتجبون عن نور الاستعداد * (تقتلون أنفسكم) * وتهلكونها بغوايتكم ومتابعتكم الهوى * (وتخرجون فريقا منكم) * من أوطانهم القديمة باغوائهم وإضلالهم وتحريضهم على ارتكاب المعاصي تتعاونون عليهم بارتكاب الفواحش
(٣١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 ... » »»