وقال أبو علي: معناه لغة تطلقونهم بعد أن تأخذوا منهم شيئا، وأراه هنا كسابقه في غاية البعد، والقول بأن - معنى الآية وإن يأتوكم أسارى في أيدي الشياطين تتصدون لانقاذهم بالإرشاد والوعظ من تضييعكم أنفسكم إلى البطون - أقرب كما لا يخفى، و - الأسارى - قيل: جمع أسير بمعنى مأسور وكأنهم حملوا أسيرا على كسلان فجمعوه جمعه كما حملوا كسلان عليه فقالوا كسلى كذا قال سيبويه، ووجه الشبه أن الأسير محبوس عن كثير من تصرفه للأسر والكسلان محبوس عن ذلك لعادته، وقيل: إنه مجموع كذا ابتداء من غير حمل كما قالوا في قديم قدامى، وسمع بفتح الهمزة وليست بالعالية خلافا لبعضهم حيث زعم أن الفتح هو الأصل والضم ليزداد قوة، وقيل: جمع أسرى - وبه قرأ حمزة - وهو جمع أسير كجريح وجرحى فيكون أسارى جمع الجمع قاله المفضل، وقال أبو عمرو: الأسرى من في اليد، والأسارى من في الوثاق - ولا أرى فرقا - بل المأخوذون على سبيل القهر والغلبة مطلقا أسرى وأسارى.
* (وهو محرم عليكم إخراجهم) * حال من فاعل * (تخرجون فريقا منكم) * أو مفعوله بعد اعتبار التقييد بالحال السابقة، وقوله تعالى: * (وإن يأتوكم) * اعتراض بينهما لا معطوف على * (تظاهرون) * لأن الاتيان لم يكن مقارنا للإخراج وقيد الإخراج بهذه الحال لإفادة أنه لم يكن عن استحقاق ومعصية موجبة له، وتخصيصه بالتقييد دون القتل للإهتمام بشأنه لكونه أشد منه * (والفتنة أشد من القتل) * (البقرة: 191) وقيل: لا بل لكونه أقل خطرا بالنسبة إلى القتل فكان مظنة التساهل، ولأن مساق الكلام لذمهم وتوبيخهم على جناياتهم وتناقض أفعالهم وذلك مختص بصورة الإخراج إذ لم ينقل عنهم تدارك القتلى بشيء من دية أو قصاص وهو السر في تخصيص التظاهر فيما سبق، وقيل: النكتة في إعادة تحريم الإخراج وقد أفاده - لا تخرجون أنفسكم - بأبلغ وجه، وفي تخصيص تحريم الإخراج بالإعادة دون القتل أنهم امتثلوا حكما في باب المخرج وهو الفداء وخالفوا حكما وهو الإخراج فجمع مع الفداء حرمة الإخراج ليتصل به * (أفتؤمنون) * الخ أشد اتصال ويتضح كفرهم بالبعض وإيمانهم بالبعض كمال اتضاح حيث وقع في حق شخص واحد، والضمير للشأن والجملة بعده خبره. وقيل: خبره (محرم) و (إخراجهم) نائب فاعل وهو مذهب الكوفيين وتبعهم المهدوي، وإنما ارتكبوه لأن الخبر المتحمل ضميرا مرفوعا لا يجوز تقديمه على المبتدأ فلا يجيزون قائم زيد على أن يكون قائم خبرا مقدما، والبصريون يجوزون ذلك ولا يجيزون هذا الوجه لأن ضمير الشأن لا يخبر عنه عندهم إلا بجملة مصرح بجزأيها، وقيل: إنه ضمير مبهم مبتدأ أيضا و (محرم) خبره و (إخراجهم) بدل منه مفسر له، وهذا بناء على جواز إبدال الظاهر من الضمير الذي لم يسبق ما يعود إليه، ومنهم من منعه وأجازه الكسائي، وقيل: راجع إلى الإخراج المفهوم من (تخرجون) و (إخراجهم) عطف بيان له أو بدل منه أو من ضمير محرم، وضعف بأنه بعد عوده إلى الإخراج لا وجه لإبداله منه. ومن الغريب ما نقل عن الكوفيين أنه يحتمل أن يكون هو ضمير فصل، وقد تقدم مع الخبر والتقدير - وإخراجهم هو محرم عليكم - فلما قدم خبر المبتدأ عليه قدم هو معه ولا يجوزه البصريون - لأن وقوع الفصل بين معرفة ونكرة لا تقارب المعرفة - لا يجوز عندهم وتوسطه بين المبتدأ والخبر أو بين ما هما أصله شرط عندهم أيضا، ولابن عطية في هذا الضمير كلام يجب إضماره * (أفتؤمنون ببعض الكتابوتكفرون ببعض) * عطم على * (تقتلون) * أو على محذوف أي أتفعلون ما ذكر فتؤمنون الخ والاستفهام للتهديد والتوبيخ على التفريق بين أحكام الله تعالى إذ العهد كان بثلاثة أشياء ترك القتل وترك الإخراج ومفاداة الأسارى فقتلوا وأخرجوا على خلاف العهد وفدوا بمقتضاه، وقيل: المواثيق أربعة فزيد ترك المظاهرة، وقد أخرج ابن جرير عن أبي العالية أن عبد الله بن سلام مر على رأس