وأن آبائهم الأنبياء يشفعون لهم، وقيل إلا مواعيد مجردة سمعوها من أحبارهم من أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا، وأن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة - واختاره أبو مسلم - والاستثناء على ذلك منقطع لأن ما هم عليه من الأباطيل، أو سمعوه من الأكاذيب ليس من الكتاب، وقيل: إلا ما يقرؤن قراءة عادية عن معرفة المعنى وتدبره، فالاستثناء حينئذ متصل بحسب الظاهر، وقيل: منقطع أيضا إذ ليس ما يتلى من جنس علم الكتاب، واعترض هذا الوجه بأنه لا يناسب تفسير الآتي بما في " المغرب "، وأجيب بأن معناه أنه لا يقرأ من الكتاب ولا يعلم الخط؛ وإما على سبيل الأخذ من الغير فكثيرا ما يقرؤن من غير علم بالمعاني، ولا بصور الحروف، وفيه تكلف إذ لا يقال للحافظ الأعمى: إنه أمي، نعم إذا فسر الأمي بمن لا يحسن الكتابة والقراءة على ما ذهب إليه جمع لا ينافي أن يكتب ويقرأ في الجملة واستدل على ذلك بما روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم صلح الحديبية أخذ الكتاب - وليس يحسن الكتب - فكتب: " هذا ما قضى عليه محمد بن عبد الله " الخ، ومن فسر الأمي بما تقدم أول الحديث بأن كتب فيه بمعنى أمر بالكتابة، وأطال بعض شراح الحديث الكلام في هذا المقام - وليس هذا محله. وقرأ أبو جعفر والأعرج وابن جماز عن نافع، وهارون عن أبي عمرو * (أماني) * بالتخفيف.
* (وإن هم إلا يظنون) * الاستثناء مفرغ والمستثنى محذوف أقيمت صفته مقامه، أي ما هم إلا قوم قصارى أمرهم الظن من غير أن يصلوا إلى مرتبة العلم - فأنى يرجى منهم الإيمان المؤسس على قواعد اليقين - وقد يطلق الظن على ما يقابل العلم اليقيني عن دليل قاطع سواء قطع بغير دليل، أو بدليل غير صحيح، أو لم يقطع، فلا ينافي نسبة الظن إليهم إن كانوا جازمين.
* (فويل للذين يكتبون الكتاببأيديهم ثم يقولون هاذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) * * (فويل للذين يكتبون الكتاببأيديهم) * - الويل - مصدر لا فعل له من لفظه، وما ذكر من قولهم: وال مصنوع - كما في " البحر " - ومثله ويح وويب وويس وويه وعول، ولا يثنى ولا يجمع ويقال: ويلة ويجمع على ويلات وإذا أضيف فالأحسن فيه النصب - ولا يجوز غيره عند بعض - وإذا أفردته اختير - الرفع - ومعناه الفضيحة والحسرة وقال الخليل: شدة الشر؛ وابن المفضل - الحزن - وغيرها - الهلكة - وقال الأصمعي: هي كلمة تفجع وقد تكون ترحما ومنه - ويل أمه مسعر حرب - وورد من طرق صححها الحفاظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الويل واد في جهنم يهوي به الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره " وفي بعض الروايات: " إنه جبل فيها " وإطلاقه على ذلك إما حقيقة شرعية، وإما مجاز لغوي من إطلاق لفظ الحال على المحل ولا يمكن أن يكون حقيقة لغوية لأن العرب تكلمت به في نظمها ونثرها قبل أن يجىء القرآن ولم تطلقه على ذلك وعلى كل حال هو هنا مبتدأ خبره * (للذين) * فإن كان علما لما في الخبر فظاهر، وإلا فالذي سوغ الابتداء به كونه دعاء، وقد حول عن المصدر المنصوب للدلالة على الدوام والثبات، ومثله يجوز فيه ذلك لأنه غير مخبر عنه، وقيل: لتخصص النكرة فيه بالداعي كما تخصص سلام في - سلام عليك - بالمسلم فإن المعنى - سلامي عليك - وكذلك المعنى ههنا - دعائي عليهم بالهلك ثابت لهم - والكتابة معروفة. وذكر الأيدي تأكيدا لدفع توهم المجاز، ويقال: أول من كتب بالقلم إدريس، وقيل: آدم عليهما السلام، والمراد بالكتاب المحرف، وقد روي أنهم كتبوا في التوراة ما يدل على خلاف صورة النبي صلى الله عليه وسلم وبثوها في سفهائهم وفي العرب وأخفوا تلك النسخ التي كانت عندهم بغير تبديل وصاروا إذا سئلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: ما هذا هو الموصوف عندنا في التوراة ويخرجون التوراة المبدلة ويقرؤنها ويقولون: هذه التوراة التي أنزلت من عند الله، ويحتمل أن يكون