تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ١٤٥
بقوله تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس أشقياؤهما ويعضده قراءة من قرأ وما خلقت الجن والأنس من المؤمنين وقال مجاهد واختاره البغوي معناه إلا ليعرفوه ومداره قوله صلى الله عليه وسلم فيما يحيكه عن رب العزة كنت كنزا مخفيا فأحببت أن اعرف فخلقت الخلق لأعرف ولعل السر في التعبير عن المعرفة بالعبادة على طريق إطلاق اسم السبب على المسبب التنبيه على أن المعتبر هي المعرفة الحاصلة بعبادته تعالى ما يحصل بغيرها كمعرفة الفلاسفة «ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون» بيان لكون شأنه تعالى مع عباده متعاليا عن أن يكون كشأن السادة مع عبيدهم حيث يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم وتهيئة ارزاقهم أي ما أريد أن اصرفهم في تحصيل رزقي ولا رزقهم بل أتفضل عليهم برزقهم وبما يصلحهم ويعيشهم من عندي فليشتغلوا بما خلقوا له من عبادتي «إن الله هو الرزاق» الذي يرزق كل ما يفتقر إلى الرزق وفه تلويح بأنه غنى عنه وقرئ إني انا الرزاق «ذو القوة المتين» بالرفع على أنه نعت للرزاق أو لذو أو خبر بعد خبر أو خبر لمضمر وقرئ بالجر على أنه وصف للقوة على تأويل الاقتدار أو الأيد «فإن للذين ظلموا» أي ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد بتكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو وضعوا مكان التصديق تكذيبا وهم أهل مكة «ذنوبا» أي نصيبا وافرا من العذاب «مثل ذنوب أصحابهم» مثل أنصباء نظرائهم من الأمم المحكية وهو مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالذنوب وهو الدلو العظيم المملوء «فلا يستعجلون» أي لا يطلبوا منى أن أعجل في المجىء به يقال استعجله أي حثه على العجلة وأمره بها ويقال استعجله أي طلب وقوعه بالعجلة ومنه قوله تعالى أتى أمر الله فلا تستعلجوه وهو جواب لقولهم متى هذا الوعد إن كنتم صادقين «فويل للذين كفروا» وضع الموصول موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بما في حيز الصلة من الكفر وإشعارا بعلة الحكم والفاء لترتيب ثبوت الويل لهم على أن لهم عذابا عظيما كما ان الفاء الأولى لترتيب النهى عن الاستعجال على ذلك ومن في قوله تعالى «من يومهم الذي يوعدون» للتعليل أي يوعدونه من يوم بدر وقيل يوم القيامة وهو الأنسب بما في صدر السورة الكريمة الآتية والأول هو الأوفق لما قبله من حيث أنهما من العذاب الدنيوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ والذاريات أعطاه الله تعالى عشر حسنات بعدد كل ريح هبت وجرت في الدنيا
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة