يقتضي سابقة النعمة المستدعية للإجتباء لا محالة «إن ربك» استئناف لتحقيق مضمون الجمل المذكورة أي يفعل ما ذكر لأنه «عليم» بكل شيء فيعلم من يستحق الاجتباء وما يتفرع عليه من التعليم المذكور وإتمام النعمة العامة على الوجه المذكور «حكيم» فاعل لكل شيء حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة فيفعل ما يفعل كما يفعل جريا على سنن علمه وحكمته والتعرض لعنوان الربوبية في الموضعين لتربية تحقق وقوع ما ذكر من الأفاعيل هذا وقد قيل في تفسير الآية الكريمة أي وكما اجتباك لمثل هذه الرؤيا الدالة على شرف وعز وكمال نفس يجتبيك ربك للنبوة والملك أو لأمور عظام ويتم نعمته عليك بالنبوة أو بأن يصل نعمة الدينا بنعمة الآخرة حيث جعلهم في الدنيا أنبياء وملوكا ونقلهم عنها إلى الدرجات العلا في الجنة كما أتمها على أبويك بالرسالة فتأمل والله الهادي «لقد كان في يوسف وإخوته» أي في قصتهم والمراد بهم ههنا إما جميعهم فإن لبنيامين أيضا حصة من القصة أو بنو علاته المعدودون فيما سلف إذ عليهم يدور رحاها «آيات» علامات عظيمة الشأن دالة على قدرة الله تعالى القاهرة وحكمته الباهرة «للسائلين» لكل من يسأل عن قصتهم وعرفها أو الطالبين للآيات المعتبرين بها فإنهم الواقفون عليها والمنتفعون بها دون من عداهم ممن اندرج تحت قوله تعالى وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون فالمراد بالقصة نفس المقصوص أو على نبوته عليه السلام لمن سأله من المشركين أو اليهود عن قصتهم فأخبرهم بذلك على ما هي عليه من غير سماع من أحد ولا ممارسة شيء من الكتب فالمراد بها اقتصاصها وجمع الآيات حينئذ للإشعار بأن اقتصاص كل طائفة من القصة آية بينة كافية في الدلالة على نبوته عليه السلام على نحو ما ذكر في قوله تعالى مقام إبراهيم على تقدير كونه عطف بيان لقوله تعالى آيات بينات لا لما قيل من أنه لتعدد جهة الإعجاز لفظا ومعنى وقرأ ابن كثير آية وفي بعض المصاحف عبرة وقيل إنما قص الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم خبر يوسف وبغى إخوته عليه لما رأى من بغي قومه عليه ليأتي به «إذ قالوا ليوسف وأخوه» أي شقيقه بنيامين وإنما لم يذكر باسمه تلويحا بأن مدار المحبة أخوته ليوسف من الطرفين ألا يرى إلى أنهم كيف اكتفوا بإخراج يوسف من البين من غير تعرض له حيث قالوا اقتلوا يوسف «أحب إلى أبينا منا» وحد الخبر مع تعدد المبتدأ لأن أفعل من كذا لا يفرق فيه بين الواحد وما فوقه ولا بين المذكر والمؤنث نعم إذا عرف وجب الفرق وإذا أضيف جاز الأمران وفائدة لام الابتداء في يوسف تحقيق مضمون الجملة وتأكيده «ونحن عصبة» أي والحال أنا جماعة قادرون على الحل والعقد أحقاء بالمحبة والعصبة والعصابة العشرة من الرجال فصاعدا سموا بذلك لأن الأمور تعصب بهم «إن أبانا» في ترجيحهما علينا في المحبة مع فضلنا عليهما وكونهما بمعزل من كفاية الأمور بالصغر والقلة «لفي ضلال» أي ذهاب عن طريق التعديل اللائق وتنزيل كل منا منزلته «مبين»
(٢٥٥)