عليهم ذلك تأليفا لقلبهم وتوجيها لهم إلى رأيه وحذرا من نسبتهم له إلى التحكم والإفتيات أو إن كنتم فاعلين ما أزمعتم عليه من إزالته من عند أبيه لا محالة ولما كان هذا مظنة لسؤال سائل يقول فما فعلوا بعد ذلك هل قبلوا ذلك منه أو لا أجيب بطريق الاستئناف على وجه أدرج في تضاعيفه قبولهم لله بما سيجيء من قوله وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب فقيل «قالوا يا أبانا» خاطبوه بذلك تحريكا لسلسلة النسب بينه وبينهم وتذكيرا لرابطة الأخوة بينهم وبين يوسف عليه الصلاة والسلام ليتسببوا بذلك إلى استنزاله عليه السلام عن رأيه في حفظه منهم لما أحس منهم بأمارات الحسد والبغي فكأنهم قالوا «مالك» أي أي شيء لك «لا تأمنا» أي لا تجعلنا أمناء «على يوسف» مع أنك أبونا ونحن بنوك وهو أخونا «وإنا له لناصحون» مريدون له الخير ومشفقون عليه ليس فينا ما يخل بالنصيحة والمقة قط والقراءة المشهورة بالإدغام والإشمام وعن نافع رضي الله عنه ترك الإشمام ومن الشواذ ترك الإدغام «أرسله معنا غدا» إلى الصحراء «يرتع» أي يتسع في أكل الفواكه ونحوهما فإن الرتع هو الإتساع في الملاذ «ويلعب» بالإستباق والتناضل ونظائرهما مما يعد من باب التأهب للغزو وإنما عبروا عن ذلك باللعب لكونه على هيئته تحقيقا لما راموه من استصحاب يوسف عليه السلام بتصويرهم له بصورة ما يلائم حاله عليه السلام وقرئ نرتع ونلعب بالنون وقرأ ابن كثير نرتع من ارتعى ونافع بالكسر والياء فيه وفي يلعب وقرئ يرتع من أرتع ماشيته ويرتع بكسر العين ويلعب بالرفع على الابتداء «وإنا له لحافظون» من أن يناله مكروه أكدوا مقالتهم بأصناف التأكيد من إيراد الجملة اسمية وتحليتها بأن واللام وإسناد الحفظ إلى كلهم وتقديم له على الخبر احتيالا في تحصيل مقصدهم «قال» استئناف مبني على سؤال من يقول فماذا قال يعقوب عليه السلام فقيل قال «إني ليحزنني» اللام للابتداء كما في قوله عز وجل إن ربك ليحكم بينهم «أن تذهبوا به» لشدة مفارقته علي وقلة صبري عنه «و» مع ذلك «أخاف أن يأكله الذئب» لأن الأرض كانت مذأبة والحزن ألم القلب بفوت المحبوب والخوف انزعاج النفس لنزول المكروه ولذلك أسند الأول إلى الذهاب به المفوت لاستمرار مصاحبته ومواصلته ليوسف والثاني إلى ما يتوقع نزوله من أكل الذئب وقيل رأى في المنام أنه قد شد عليه عليه السلام ذئب وكان يحذره فقال ذلك وقد لقنهم العلة * إن البلاء موكل بالمنطق * وقرأ ابن كثير ونافع في رواية البزي بالهمزة على الأصل وأبو عمرو به وقفا وعاصم وابن عامر وحمزة درجا وقيل اشتقاقه من تذاءبت الريح إذا هاجت من كل جانب وقال الأصمعي الأمر بالعكس وهو أظهر لفظا ومعنى «وأنتم عنه غافلون» لاشتغالكم بالرتع واللعب أو لقلة اهتمامكم بحفظه
(٢٥٧)