مثل ما في قولك وعظته فلم يتعظ وصحت به فلم ينزجر فإن الإتيان بالشيء بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه وإن كان استمرارا عليه لكنه بحسب العنوان فعل جديد وصنع حادث فتأمل وترك الإضمار لدفع توهم الرجوع إلى موسى عليه السلام من أول الأمر ولزيادة تقبيح حال المتبعين فإن فرعون علم في الفساد والإفساد والضلال والإضلال فاتباعه لفرط الجهالة وعدم الإستبصار وكذا الحال في قوله تعالى «وما أمر فرعون برشيد» الرشد ضد الغي وقد يراد به محمودية العاقبة فهو على الأول بمعنى المرشد أو ذي الرشد حقيقة لغوية والإسناد مجازي وعلى الثاني مجاز والإسناد حقيقي «يقدم قومه» جميعا من الأشراف وغيرهم «يوم القيامة» أي يتقدمهم من قدمه بمعنى تقدمه وهو استئناف لبيان حاله في الآخرة أي كما كان قدوة لهم في الضلال كذلك يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه أو لتوضيح عدم صلاح مآل أمره وسوء عاقبته «فأوردهم النار» أي يوردهم وإيثار صيغة الماضي للدلالة على تحقيق الوقوع لا محالة شبه فرعون بالفارط الذي يتقدم الواردة إلى الماء وأتباعه بالواردة والنار بالماء الذي يردونه ثم قيل «وبئس الورد المورود» أي بئس الورد الذي يردونه النار لأن الورد إنما يراد لتسكين العطش وتبريد الأكباد والنار على ضد ذلك «واتبعوا» أي الملأ الذين اتبعوا أمر فرعون «في هذه» أي في الدنيا «لعنة» عظيمة حيث يلعنهم من بعدهم من الأمم إلى يوم القيامة «ويوم القيامة» أيضا حيث يلعنهم أهل الموقف قاطبة فهي تابعة لهم حينما ساروا دائرة معهم أينما داروا في الموقف فكما اتبعوا فرعون اتبعتهم اللعنة في الدارين جزاء وفاقا واكتفى ببيان حالهم الفظيع وشأنهم الشنيع عن بيان حال فرعون إذ حين كان حالهم هكذا فما ظنك بحال من أغواهم وألقاهم في هذا الضلال البعيد وحيث كان شأن الأتباع أن يكونوا أعوانا للمتبوع جعلت اللعنة رفدا لهم على طريقة التهكم فقيل «بئس الرفد المرفود» أي بئس العون المعان وقد فسر الرفد بالعطاء ولا يلائمه المقام وأصله ما يضاف إلى غيره ليعمده والمخصوص بالذم محذوف أي رفدهم وهي اللعنة في الدارين وكونه مرفودا من حيث أن كل لعنة منها معينة وممدة لصاحبتها ومؤيدة لها «ذلك» إشارة إلى ما قص من أنباء الأمم وبعده باعتبار تقضيه في الذكر والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مبتدأ خبره «من أنباء القرى» المهلكة بما جنته أيدي أهلها «نقصه عليك» خبر بعد خبر أي ذلك النبأ بعض أنباء القرى مقصوص عليك «منها» أي من تلك القرى «قائم وحصيد» أي ومنها حصيد حذف لدلالة الأول عليه شبه ما بقي منها بالزرع القائم على ساقه وما عفا وبطل بالحصيد والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب
(٢٣٩)