تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ٢٣٥
«مثل ما أصاب قوم نوح» من الغرق «أو قوم هود» من الريح «أو قوم صالح» من الصيحة والرجفة وقرأ ابن كثير بضم الياء من أجرمته ذنبا إذا جعلته جارما له أي كاسبا وهو منقول من جرم المعتدي إلى مفعول واحد كما نقل أكسبه المال من كسب المال فكما لا فرق بين كسبته مالا وأكسبته إياه لا فرق بين جرمته ذنبا وأجرمته إياه في المعنى إلا أن الأول أصح وأدور على ألسنة الفصحاء وقرا أبو حيوة مثل ما أصاب بالفتح لإضافته إلى غير متمكن كقوله * لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت * حمامة في غصون ذات * أو قال وهذا وإن كان بحسب الظاهر نهيا للشقاق عن كسب إصابة العذاب لكنه في الحقيقة نهى للكفرة عن مشاقته عليه السلام على ألطف أسلوب وأبدعه كما مر في سورة المائدة عند قوله تعالى ولا يجرمنكم شنآن قوم الآية «وما قوم لوط منكم ببعيد» زمانا أو مكانا فإن لم تعتبروا بمن قبلهم من الأمم المعدودة فاعتبروا بهم فكأنه إنما غير أسلوب التحذير بهم ولم يصرح بما أصابهم بل اكتفى بذكر قربهم إيذانا بأن ذلك مغن عن ذكره لشهرة كونه منظوما في سمط ما ذكر من دواهي الأمم المرقومة أو ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمعاصي فلا يبعد أن يصيبكم مثل ما أصابهم وإفراد البعيد مع تذكيره لأن المراد وما إهلاكهم على نية المضاف أو وما هم بشيء بعيد لأن المقصود إفادة عدم بعدهم على الإطلاق لا من حيث خصوصية كونهم قوما أوما هم في زمان بعيد أو مكان بعيد ولا يبعد أن يكون ذلك لكونه على زنة المصادر كالنهيق والشهيق ولما أنذرهم عليه السلام بسوء عاقبة صنيعهم عقبه طمعا في ارعوائهم عما كانوا فيه يعمهون من طغيانهم بالحمل على الاستغفار والتوبة فقال «واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه» مر تفسير مثله في أول السورة «إن ربي رحيم» عظيم الرحمة للتائبين «ودود» مبالغ في فعل ما يفعل البليغ المودة بمن يوده من اللطف والإحسان وهذا تعليل للأمر بالاستغفار والتوبة وحث عليهما «قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول» الفقه معرفة غرض المتكلم من كلامه أي ما نفهم مرادك وإنما قالوه بعد ما سمعوا منه دلائل الحق المبين على أحسن وجه وأبلغه وضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل فلم يجدوا إلى محاورته سبيلا سوى الصدود عن منهاج الحق والسلوك إلى سبيل الشقاء كما هو ديدن المفحم المحجوج يقابل البينات بالسب والإبراق والإرعاد فجعلوا كلامه المشتمل على فنون الحكم والمواعظ وأنواع العلوم والمعارف من قبيل ما لا يفهم معناه ولا يدرك فحواه وأدمجوا في ضمن ذلك أن في تضاعيفه ما يستوجب أقصى ما يكون من المؤاخذة والعقاب ولعل ذلك ما فيه من التحذير من عواقب الأمم السالفة ولذلك قالوا «وإنا لنراك فينا» فيما بيننا «ضعيفا» لا قوة لك ولا قدرة على شيء من الضر والنفع والإيقاع والدفع «ولولا رهطك» لولا مراعاة جانبهم لا لولاهم يمانعوننا ويدافعوننا «لرجمناك» فإن ممانعة الرهط وهو اسم للثلاثة إلى
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308