على غير الأفصح ولا يلزم من ذلك أمرها بالإلتفات بل عدم نهيها عنه بطريق الاستصلاح ولذلك علله على طريقة الاستئناف بقوله «إنه مصيبها ما أصابهم» من العذاب وهو أمطار الأحجار وإن لم يصبها الخسف والضمير في إنه للشأن وقوله تعالى مصيبها خبر وقوله ما أصابهم مبتدأ والجملة خبر لأن الذي اسمه ضمير الشأن وفيه ما لا يخفى من تفخيم شأن ما أصابهم ولا يحسن جعل الاستثناء منقطعا على قراءة الرفع «إن موعدهم الصبح» أي موعد عذابهم وهلاكهم تعليل للأمر بالإسراء والنهي عن الالتفات المشعر بالحث على الإسراع «أليس الصبح بقريب» تأكيد للتعليل فإن قرب الصبح داع إلى الإسراع في الإسراء للتباعد عن مواقع العذاب وروى أنه قال للملائكة متى موعد هلاكهم قالوا الصبح قال أريد أسرع من ذلك فقالوا ذلك وإنما جعل ميقات هلاكهم الصبح لأنه وقت الدعة والراحة فيكون حلول العذاب حينئذ أفظع ولأنه أنسب بكون ذلك عبرة للناظرين «فلما جاء أمرنا» أي وقت عذابنا وموعده وهو الصبح «جعلنا عاليها» أي عالي قرى قوم لوط وهي التي عبر عنها بالمؤتفكات وهي خمس مدائن فيها أربعمائة ألف ألف «سافلها» أي قلبناها على تلك الهيئة وجعل عاليها مفعولا أول للجعل وسافلها مفعولا ثانيا له وإن تحقق القلب بالعكس أيضا لتهويل الأمر وتفظيع الخطب لأن جعل عاليها الذي هو مقارهم ومساكنهم سافلها أشد عليهم وأشق من جعل سافلها عاليها وإن كان مستلزما له روى أنه جعل جبريل عليه السلام جناحه في أسفلها ثم رفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها عليهم وإسناد الجعل والأمطار إلى ضميره سبحانه باعتبار أنه المسبب لتفخيم الأمر وتهويل الخطب «وأمطرنا عليها» على أهل المدائن أو شذاذهم «حجارة من سجيل» من طين متحجر كقوله حجارة من طين وأصله سنك كل فعرب وقيل هو من أسجله إذا أرسله أو أدر عطيته والمعنى من مثل الشيء المرسل أو مثل العطية في الإدرار أو من السجل أي مما كتب الله تعالى أن يعذبهم به وقيل أصله من سجين أي من جهنم فأبدلت نونه لاما «منضود» نضد في السماء نضدا معدا للعذاب وقيل يرسل بعضه إثر بعض كقطار الأمطار «مسومة» معلمة للعذاب وقيل معلمة ببياض وحمرة أو بسيما تتميز به عن حجارة الأرض أو باسم من ترمي به «عند ربك» في خزائنه التي لا يتصرف فيها غيره عز وجل «وما هي» أي الحجارة الموصوفة «من الظالمين» من كل ظالم «ببعيد» فإنهم بسبب ظلمهم مستحقون لها وملابسون بها وفيه وعيد شديد لأهل الظلم كافة وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل عليه السلام فقال يعني ظالمي أمتك ما من ظالم منهم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى سعة وقيل الضمير للقرى أي هي قريبة من ظالمي مكة يمرون بها في مسايرهم وأسفارهم إلى الشام وتذكير البعيد على تأويل الحجارة بالحجر أو إجرائه على موصوف مذكر أي بشيء بعيد أو بمكان بعيد فإنها وإن كانت في السماء وهي في غاية البعد من الأرض
(٢٣٠)