تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليل للأمر بالصبر فإن كون العاقبة الحميدة للمتقين وهو في أقصى درجات التقوى والمؤمنون كلهم متقون مما يسليه صلى الله عليه وسلم ويهون عليه الخطوب ويذهب عنه ما عسى يعتريه من ضيق صدره وهذا على تقدير أن يراد بالتقوى الدرجة الأولى منه أعنى التوقي من العذاب المخلد بالتبرؤ من الشرك وعليه قوله تعالى وألزمهم كلمة التقوى ويجوز أن يراد الدرجة الثالثة منه وهي أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق ويتبتل إليه بشرا شره وهو التقوى الحقيقي المطلوب بقوله تعالى اتقوا الله حق تقاته فإن التقوى بهذا المعنى منطو على الصبر المذكور فكأنه قيل فاصبر فإن العاقبة للصابرين «وإلى عاد» متعلق بمضمر معطوف على قوله تعالى أرسلنا في قصة نوح وهو الناصب لقوله تعالى «أخاهم» أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم أي واحدا منهم في النسب كقولهم يا أخا العرب وتقديم المجرور على المنصوب ههنا للحذار عن الإضمار قبل الذكر وقيل متعلق بالفعل المذكور فيما سبق وأخاهم معطوف على نوحا وقد مر في سورة الأعراف وقوله تعالى «هودا» عطف بيان لأخاهم وكان صلى الله عليه وسلم من جملتهم فإنه هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود ابن العوص بن إرم بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام وقيل هود بن شالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح ابن عم أبي عاد وإنما جعل منهم لأنهم أفهم لكلامه وأعرف بحاله وأرغب في اقتفائه «قال» لما كان ذكر إرساله صلى الله عليه وسلم إليهم مظنة للسؤال عما قال لهم ودعاهم إليه أجيب عنه بطريق الاستئناف فقيل قال «يا قوم اعبدوا الله» أي وحدوه كما ينبئ عنه قوله تعالى «ما لكم من إله غيره» فإنه استئناف يجري مجرى البيان للعبادة المأمور بها والتعليل للأمر بها كأنه قيل خصوه بالعبادة ولا تشركوا به شيئا إذ ليس لكم من إله سواه وغيره بالرفع صفة لإله باعتبار محله وقرئ بالجر حملا له على لفظه «إن أنتم» ما أنتم باتخاذكم الأصنام شركاء له أو بقولكم إن الله أمرنا بعبادتها «إلا مفترون» عليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا «يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني» خاطب به كل نبي قومه إزاحة لما عسى يتوهمونه وإمحاضا للنصيحة فإنها ما دامت مشوبة بالمطامع بمعزل عن التأثير وإيراد الموصول للتفخيم وجعل الصلة فعل الفطرة لكونه أقدم النعم الفائضة من جناب الله تعالى المستوجبة للشكر الذي لا يتأتى إلا بالجريان على موجب أمره الغالب معرضا عن المطالب الدنيوية التي من جملتها الأجر «أفلا تعقلون» أي أتغفلون عن هذه القضية أو ألا تتفكرون فيها فلا تعقلونها أو أتجهلون كل شيء فلا تعقلون شيئا أصلا فإن هذا مما لا ينبغي أن يخفى على أحد من العقلاء «ويا قوم استغفروا ربكم» أي اطلبوا مغفرته
(٢١٦)