تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ٢١٨
من دونه» أي من إشراككم من دون الله أي من غير أن ينزل به سلطانا كما قال في سورة الأعراف أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان أو مما تشركونه من آلهة غير الله أجاب به عن مقالتهم الحمقاء المبنية على اعتقاد كون آلهتهم مما يضر أو ينفع وأنها بمعزل من ذلك ولما كان ما وقع أولا عنه عليه الصلاة والسلام في حق آلهتهم من كونها بمعزل عن الألوهية إنما وقع في ضمن الأمر بعبادة الله تعالى واختصاصه بها وقد شق عليهم ذلك وعدوه مما يورث شينا حتى زعموا أنها تصيبه عليه الصلاة والسلام بسوء مجازاة لصنيعه معها صرح عليه الصلاة والسلام بالحق وصدع به حيث أخبر ببراءته القديمة عنها بالجملة الاسمية المصدرة بأن وأشهد الله على ذلك وأمرهم بأن يسمعوا ذلك ويشهدوا به استهانة بهم ثم أمرهم بالاجتماع والاحتشاد مع آلهتم جميعا دون بعض منها حسبما يشعر به قولهم بعض آلهتنا والتعاون في إيصال الكيد إليه عليه الصلاة والسلام ونهاهم عن الإنظار والإمهال في ذلك فقال «فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون» أي إن صح ما لوحتم به من كون آلهتكم مما يقدر على إضرار من ينال منها ويصد عن عبادتها ولو بطريق ضمني فإني برئ منها فكونوا أنتم معها جميعا وباشروا كيدي ثم لا تمهلوني ولا تسامحوني في ذلك فالفاء لتفريع الأمر على زعمهم في قدرة آلهتهم على ما قالوا وعلى البراءة كليهما وهذا من أعظم المعجزات فإنه عليه الصلاة والسلام كان رجلا مفردا بين الجم الغفير والجمع الكثير من عتاة عاد الغلاظ الشداد وقد خاطبهم بما خاطبهم وحقرهم وآلهتهم وهيجهم على مباشرة مبادى المضادة والمضارة وحثهم على التصدي لأسباب المعازة والمعارة فلم يقدروا على مباشرة شيء مما كلفوه وظهر عجزهم عن ذلك ظهورا بينا كيف لا وقد التجأ إلى ركن منيع رفيع واعتصم بحبل متين حيث قال «إني توكلت على الله ربي وربكم» يعني إنكم وإن بذلتم في مضارتى مجهودكم لا تقدرون على شيء مما تريدون بي فإني متوكل على الله تعالى وإنما جيء بلفظ الماضي لكونه أدل على الإنشاء المناسب للمقام وواثق بكلاءتي وحفظي عن غوائلكم وهو مالكي ومالككم لا يصدر عنكم شيء ولا يصيبني أمر إلا بإرادته ومشيئته ثم برهن عليه بقوله «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها» أي إلا هو مالك لها قادر عليها يصرفها كيف يشاء غير مستعصية عليه فإن الأخذ بالناصية تمثيل لذلك «إن ربي على صراط مستقيم» تعليل لما يدل عليه التوكل من عدم قدرتهم على إضراره أي هو على الحق والعدل فلا يكاد يسلطكم على إذ لا يضيع عنده معتصم ولا يفتات عليه ظالم والاقتصار على إضافة الرب إلى نفسه إما بطريق الاكتفاء لظهور المراد وإما لأن فائدة كونه تعالى مالكا لهم أيضا راجعة إليه عليه الصلاة والسلام
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308