أقدركم على عمارتها أو أمركم بها وقيل هو من العمري بمعنى أعمركم فيها دياركم ويرثها منكم بعد انصرام أعماركم أو جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لمثلكم «فاستغفروه ثم توبوا إليه» فإن ما فصل من فنون الإحسان داع إلى الاستغفار عما وقع منهم من التفريط والتوبة عما كانوا يباشرونه من القبائح وقد زيد في بيان ما يوجب ذلك فقيل «إن ربي قريب» أي قريب الرحمة كقوله تعالى إن رحمة الله قريب من المحسنين «مجيب» لمن دعاه وسأله وقد روعي في النظم الكريمة نكتة حيث قدم ذكر العلة الباعثة المتقدمة على الأمر بالاستغفار والتوبة وأخر عنه ذكر الغائبة المتأخرة عنهما في الوجود أعني الإجابة «قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا» أي كنا نرجو منك لما كنا نرى منك من دلائل السداد ومخايل الرشاد أن تكون لنا سيدا ومستشارا في الأمور وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فاضلا خيرا نقدمك على جميعنا وقيل كنا نرجو أن تدخل في ديننا وتوافقنا على ما نحن عليه «قبل هذا» الذي باشرته من الدعوة إلى التوحيد وترك عبادة آلهة أو قبل هذا الوقت فكأنهم لم يكونوا إلى الآن على يأس من ذلك ولو بعد الدعوة إلى الحق فالآن قد انصرم عنك رجاؤنا وقرأ طلحة مرجوءا بالمد والهمزة «أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا» أي عبدوه والعدول إلى صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية «وإننا لفي شك مما تدعونا إليه» من التوحيد وترك عبادة الأوثان وغير ذلك من الاستغفار والتوبة «مريب» أي موقع في الريبة من أرابه أي أوقعه في الريبة أي قلق النفس وانتفاء الطمأنينة أو من أراب إذا كان ذا ريبة وأيهما كان فالاسناد مجازي والتنوين فيه وفي شك للتفخيم «قال يا قوم أرأيتم» أي أخبروني «إن كنت» في الحقيقة «على بينة» أي حجة ظاهرة وبرهان وبصيرة «من ربي» مالكي ومتولي أمرى «وآتاني منه» من جهته «رحمة» نبوة وهذه الأمور وإن كانت محققة الوقوع لكنها صدرت بكلمة الشك اعتبارا لحال المخاطبين ورعاية لحسن المحاورة لاستنزالهم عن المكابرة «فمن ينصرني من الله» أي ينجيني من عذابه والعدول إلى الإظهار لزيادة التهويل والفاء لترتيب إنكار النصرة على ما سبق من إيتاء النبوة وكونه على بينة من ربه على تقدير العصيان حسبما يعرب عنه قوله تعالى «إن عصيته» أي بالمساهلة في تبليغ الرسالة والمجاراة معكم فيما تأتون وتذرون فإن العصيان ممن ذلك شأنه أبعد والمؤاخذة عليه ألزم وإنكار نصرته أدخل «فما تزيدونني» إذن باستتباعكم إياي كما ينبئ عنه قولهم قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أي لا تفيدونني إذ لم يكن فيه أصل الخسران حتى يزيدوه «غير تخسير» أي غير أن تجعلوني خاسرا بإبطال أعمالي وتعريضي لسخط الله تعالى أو فما
(٢٢١)