الخوف ومجئ السرور للمجادلة المدلول عليها بقوله تعالى «يجادلنا في قوم لوط» أي جادل رسلنا في شأنهم وعدل إلى صيغة الاستقبال لاستحضار صورتها أو طفق يجادلنا ظاهرة وأما إن فسرت ببشارة الولد أو بما يعمها فلعل سببيتها لها من حيث إنها تفيد زيادة اطمئنان قلب بسلامته وسلامة أهله كافة ومجادلته إياهم أنه قال لهم حين قالوا له إنا مهلكوا أهل هذه القرية أرأيتم لو كان فيها خمسون رجلا من المؤمنين أتهلكونها قالوا لا قال فأربعون قالوا لا قال فثلاثون قالوا لا حتى بلغ العشرة قالوا لا قال أرأيتم إن كان فيها رجل مسلم أتهلكونها قالوا لا فعند ذلك قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها الننجينه وأهله إن قيل المتبادر من هذا الكلام أن يكون إبراهيم عليه السلام قد علم أنهم مرسلون لإهلاك قوم لوط قبل ذهاب الروع عن نفسه ولكن لم يقدر على مجادلتهم في شأنهم لاشتغاله بشأن نفسه فلما ذهب عنه الروع فرغ لها مع أن ذهاب الروع إنما هو قبل العلم بذلك لقوله تعالى قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط قلنا كان لوط عليه السلام على شريعة إبراهيم عليه السلام وقومه مكلفين بها فلما رأى من الملائكة ما رأى خاف على نفسه وعلى كافة أمته التي من جملتهم قوم لوط ولا ريب في تقدم هذا الخوف على قولهم لا تخف وأما الذي علمه السلام بعد النهي عن الخوف فهو اختصاص قوم لوط بالهلاك لا دخولهم تحت العموم فتأمل والله الموفق «إن إبراهيم لحليم» غير عجول على الانتقام ممن أساء إليه «أواه» كثير التأوه على الذنوب والتأسف على الناس «منيب» راجع إلى الله تعالى والمقصود بتعداد صفاته الجميلة المذكورة بيان ما حمله عليه السلام على ما صدر عنه من المجادلة «يا إبراهيم» أي قالت الملائكة يا إبراهيم «أعرض عن هذا» الجدال «أنه» أي الشأن «قد جاء أمر ربك» أي قدره الجاري على وفق قضائه الأزلي الذي هو عبارة عن الإرادة الأزلية والعناية الإلهية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص حسب تعلقها بالأشياء في أوقاتها وهو المعبر عنه بالقدر «وإنهم آتيهم عذاب غير مردود» لا بجدال ولا بدعاء ولا بغيرهما «ولما جاءت رسلنا لوطا» قال ابن عباس رضي الله عنهما انطلقوا من عند إبراهيم عليه السلام إلى لوط عليه السلام وبين القريتين أربعة فراسخ ودخلوا عليه في صور غلمان مرد حسان الوجوه فلذلك «سئ بهم» أي ساءه مجيئهم لظنه أنهم أناس فخاف أن يقصدهم قومه ويعجز عن مدافعتهم وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو عمر وسيء وسيئت بإشمام السين الضم روى أن الله تعالى قال للملائكة لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات فلما مشى معهم منطلقا بهم إلى منزله قال لهم أما بلغكم أمر هذه القرية قالوا وما أمرها قال أشهد إنها لشر قرية في الأرض عملا يقول ذلك أربع مرات فدخلوا معه منزله ولم يعلم بذلك أحد فخرجت امرأته فأخبرت به قومها وقالت في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم
(٢٢٧)