«وهو الذي يرسل الرياح» عطف على الجملة السابقة وقرئ الريح «بشرا» تخفيف بشر جمع بشير أي مبشرات وقرئ بفتح الباء على أنه مصدر بشره بمعنى باشرات أو للبشارة وقرئ نشرا بالنون المضمومة جمع نشور أي ناشرات ونشرا على أنه مصدر في موقع الحال بمعنى ناشرات أو مفعول مطلق فإن الإرسال والنشر متقاربان «بين يدي رحمته» قدام رحمته التي هي المطر فإن الصبا تثير السحاب والشمال تجمعه والجنوب تدره والدبور تفرقه «حتى إذا أقلت» أي حملت واشتقاقه من القلة فإن المقل للشيء يستقله «سحابا ثقالا» بالماء جمعه لأنه بمعنى السحائب «سقناه» اي السحاب وإفراد الضمير لإفراد اللفظ «لبلد ميت» أي لأجله ولمنفعته أو لإحيائه أو لسقيه وقرئ ميت «فأنزلنا به الماء» أي بالبلد أو بالسحاب أو بالسوق أو بالريح والتذكير بتأويل المذكور وكذلك قوله تعالى «فأخرجنا به» ويحتمل أن يعود الضمير إلى الماء وهو الظاهر وإذا كان للبلد فالباء للإلصاق في الأول والظرفية في الثاني وإذا كان لغيره فهي للسببية «من كل الثمرات» أي من كل أنواعها «كذلك نخرج الموتى» الإشارة إلى إخراج الثمرات أو إلى إحياء البلد الميت أي كما نحييه بإحداث القوة النامية فيه وتطريتها بأنواع النبات والثمرات نخرج الموتى من الأجداث ونحييها برد النفوس إلى مواد أبدانها بعد جمعها وتطريتها بالقوى والحواس «لعلكم تذكرون» بطرح إحدى التاءين أي تتذكرون فتعلمون أن من قدر على ذلك على هذا من غير شبهة «والبلد الطيب» أي الأرض الكريمة التربة «يخرج نباته بإذن ربه» بمشيئته وتيسيره عبر به عن كثرة النبات وحسنه وغزارة نفحه لأنه أوقعه في مقابلة قوله تعالى «والذي خبث» من البلاد كالسبخة والحرة «لا يخرج إلا نكدا» قليلا عديم النفع ونصبه على الحال والتقدير والبلد الذي خبث لا يخرج نباته إلا نكدا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فصار مرفوعا مستترا وقرئ لا يخرج إلا نكدا أي لا يخرجه البلد إلا نكدا فيكون إلا نكدا مفعوله وقرئ نكدا على المصدر أي ذا نكد ونكدا بالإسكان للتخفيف «كذلك» أي مثل ذلك التصريف البديع «نصرف الآيات» أي نرددها ونكررها «لقوم يشكرون» نعمة الله تعالى فيتفكرون فيها ويعتبرون بها وهذا كما ترى مثل لإرسال الرسل عليهم بالشرائع التي هي ماء حياة القلوب إلى المكلفين المنقسمين إلى المقتبسين من أنوارها والمحرومين من مغانم آثارها وقد عقب ذلك بما يحققه ويقرره من قصص الأمم الخالية بطريق الاستئناف فقيل
(٢٣٤)