الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ١٤٦
فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجئ جاء فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس عند باب الجنة على كرسي وعنده قوم جلوس بيض الوجوه أمثال القراطيس وقوم في ألوانهم شئ فقام هؤلاء الذين في ألوانهم شئ فدخلوا نهرا فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلص ولم يكن في أبدانهم شئ ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شئ ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلصت ألوانهم فصارت مثل ألوان أصحابهم فجاؤوا فجلسوا إلى أصحابهم فقال يا جبريل من هذا الأشمط ومن هؤلاء بيض الوجوه ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شئ وما هذه الانهار التي دخلوا قال هذا أبوك إبراهيم أول من شمط على الأرض وأما هؤلاء البيض الوجوه فقوم لم يلبسوا ايمانهم بظلم وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شئ فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فتابوا فتاب الله عليهم وأما الانهار فأولها رحمة الله والثاني نعمة الله والثالث سقاهم ربهم شرابا طهورا ثم انتهى إلى السدرة قيل له هذه السدرة ينتهى إليها كل واحد خلا من أمتك على نسك فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها والورقة منها مغطية للأمة كلها فغشيها نور الخلاق عز وجل وغشيتها الملائكة عليهم السلام أمثال الغربان حين تقع على الشجرة فكلمه الله تعالى عند ذلك فقال له سل فقال اتخذت إبراهيم خليلا وأعطيته ملكا عظيما وكلمت موسى تكليما وأعطيت داود ملكا عظيما وألنت له الحديد وسخرت له الجبال وأعطيت سليمان ملكا عظيما وسخرت له الجن والإنس والشياطين وسخرت له الرياح وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وعلمت عيسى التوراة والإنجيل وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى باذنك وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم فلم يكن للشيطان عليهما سبيل فقال له ربه عز وجل وقد اتخذتك خليلا وهو مكتوب في التوراة حبيب الرحمن وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا وشرحت لك صدرك ووضعت عنك وزرك ورفعت لك ذكرك فلا أذكر الا ذكرت معي وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا انك عبدي ورسولي وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم وجعلتك أول النبيين خلقا وآخرهم بعثا وأولهم يقضى له وأعطيتك سبعا من المثاني لم أعطها نبيا قبلك وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم أعطها نبيا قبلك وأعطيتك الكوثر وأعطيتك ثمانية أسهم الاسلام والهجرة والجهاد والصلاة والصدقة وصوم رمضان والامر بالمعروف والنهى عن المنكر وجعلتك فاتحا وخاتما قال النبي صلى الله عليه وسلم فضلني ربى وأرسلني رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا ونذيرا وألقى في قلب عدوى الرعب من مسيرة شهر وأحل لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا وأعطيت فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه وعرضت على أمتي فلم يخف على التابع والمتبوع ورأيتهم أتوا على قوم ينتعلون الشعر ورأيتهم أتوا على قوم عراض الوجوه صغار الأعين كأنما خرمت أعينهم بالمخيط فلم يخف على ما هم لاقون من بعدي وأمرت بخمسين صلاة فلما رجع إلى موسى عليه السلام قال بم أمرت قال بخمسين صلاة قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فان أمتك أضعف الأمم فقد لقيت من بني إسرائيل شدة فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه فسأله التخفيف فوضع عنه عشرا ثم رجع إلى موسى فقال بكم أمرت قال بأربعين قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فرجع فوضع عنه عشرا إلى أن جعلها خمسا قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال قد رجعت إلى ربى حتى استحيت منه فما أنا براجع إليه قيل له اما انك كما صبرت نفسك على خمس صلوات فإنهن يجزين عنك خمسين صلاة وان كل حسنة بعشر أمثالها فرضى محمد صلى الله عليه وسلم كل الرضا قال وكان موسى عليه السلام من أشدهم عليه حين مر به وخيرهم له حين رجع إليه * وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عبد الرحمن عن أبيه أبى ليلى ان جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالبراق فحمله عليه بين يديه ثم جعل يسير به فإذا بلغ مكانا مطأطئا طالت يداه وقصرت رجلاه حتى يستوي به وإذا بلغ مكانا مرتفعا قصرت يداه وطالت رجلاه حتى يستوي به ثم عرض له رجل عن يمين الطريق فجعل يناديه يا محمد إلى الطريق مرتين فقال له جبريل عليه السلام امض ولا تكلم أحدا ثم عرض له رجل عن
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»
الفهرست