الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ١ - الصفحة ٤٧
دحاها منها فجعلها في وسط الأرض فلما أراد الله أن يخلق آدم بعث ملكا من حملة العرش يأتي بتراب من الأرض فلما هوى ليأخذ قالت الأرض أسألك بالذي أرسلك أن لا تأخذ منى اليوم شيئا يكون منه للنار نصيب غدا فتركها فلما رجع إلى ربه قال ما منعك أن تأتى بما أمرتك قال سألتني بك فعظمت أن أرد شيئا سألني بك فأرسل ملكا آخر فقال مثل ذلك حتى أرسلهم كلهم فأرسل ملك الموت فقالت له مثل ذلك قال إن الذي أرسلني أحق بالطاعة منك فأخذ من وجه الأرض كلها من طيبها وخبيثها حتى كانت قبضة عند موضع الكعبة فجاء به إلى ربه فصب عليه من ماء الجنة فجاء حما مسنونا فخلق منه آدم بيده ثم مسح على ظهره فقال تبارك الله أحسن الخالقين فتركة أربعين ليلة لا ينفخ فيه الروح ثم نفخ فيه الروح فجرى فيه لروح من رأسه إلى صدره فأراد أن يثب فتلا أبو هريرة خلق الانسان من عجل فلما جرى فيه الروح قعد جالسا فعطس فقال الله قل الحمد لله فقال الحمد لله فقال رحمك ربك ثم قال انطلق إلى هؤلاء الملائكة فسلم عليهم فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقالوا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فقال هذه تحيتك وتحية ذريتك يا آدم أي مكان أحب إليك أن أريك ذريتك فيه فقال بيمين ربى وكلتا يدي ربى يمين فبسط يمينه فأراه فيها ذريته كلهم وما هو خالق إلى يوم القيامة الصحيح على هيئته والمبتلى على هيئته والأنبياء كلهم على هيئتهم فقال أي رب ألا عافيتهم كلهم فقال انى أحببت أن أشكر فرأى فيها رجلا ساطعا نوره فقال أي رب من هذا فقال هذا ابنك داود فقال كم عمره قال ستون سنة قال كم عمري قال ألف سنة قال انقص من عمري أربعين سنة فزدها في عمره ثم رأى آخر ساطعا نوره ليس مع أحد من الأنبياء مثل ما معه فقال أي رب من هذا قال هذا ابنك محمد وهو أول من يدخل الجنة فقال آدم الحمد لله الذي جعل من ذريتي من يسبقني إلى الجنة ولا أحسده فلما مضى لآدم ألف سنة الا أربعين جاءته الملائكة تتوفاه عيانا قال ما تريدون قالوا أردنا أن نتوفاك قال بقى من أجلى أربعون قالوا أليس قد أعطيتها ابنك داود قال ما أعطيت أحدا شيئا قال أبو هريرة جحد آدم وجحدت ذريته ونسى ونسيت ذريته * وأخرج ابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا بعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها فقالت الأرض أعوذ بالله منك أن تنقص منى فرجع ولم يأخذ شيئا وقال يا رب انها أعاذت بك فأعذتها فبعث الله ميكائيل كذلك فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره فاخذ من وجه الأرض وخلط ولم يأخذ من مكان واحد وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفين فصعد به فبل التراب حتى صار طينا لازبا واللازب هو الذي يلزق بعضه ببعض ثم قال للملائكة انى خالق بشرا من طين فخلقه الله بيده لئلا يتكبر عليه إبليس فخلقه بشرا سويا فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه وكان أشدهم منه فزعا إبليس فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصلة فيقول لأمر ما خلقت ويدخل من فيه ويخرج من دبره ويقول للملائكة لا تذهبوا منها فان ربكم صمد وهذا أجوف لئن سلطت عليه لأهلكنه فلما بلغ الحين الذي يريد الله أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له فلما نفخ فيه الروح فدخل في رأسه عطس فقالت الملائكة الحمد لله فقال الحمد لله فقال الله له يرحمك ربك فلما دخلت الروح في عنقه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخلت إلى جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ إلى رجليه عجلا إلى ثمار الجنة وذلك قوله تعالى خلق الانسان من عجل * وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس قال بعث رب العزة إبليس فاخذ من أديم الأرض من عذبها ومالحها فخلق منها آدم فكل شئ خلقه من عذبها فهو صائر إلى السعادة وان كان ابن كافرين وكل شئ خلقه من مالحها فهو صائر إلى الشقاوة وان كان ابن نبيين قال ومن ثم قال إبليس أأسجد لمن خلقت طينا ان هذه الطينة أنا جئت بها ومن ثم سمى آدم لأنه أخذ من أديم الأرض * وأخرج ابن جرير عن علي قال إن آدم خلق من أديم الأرض فيه الطيب والصالح والردئ فكل ذلك أنت راء في ولده * واخرج ابن سعد وابن عساكر عن أبي ذر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن آدم خلق من ثلاث تربات سوداء وبيضاء وحمراء * وأخرج ابن سعد في الطبقات وعبد بن حميد وأبو بكر الشافعي
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»
الفهرست