الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ١ - الصفحة ٤٥
يخلق بألفي عام الجن بنو الجان ففسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فلما أفسدوا في الأرض بعث عليهم جنودا من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور فلما قال الله انى جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء كما فعل أولئك الجان فقال الله انى أعلم ما لا تعلمون * وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر مثله * وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من بين الملائكة وكان اسمه الحارث فكان خازنا من خزان الجنة وخلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي وخلقت الجن من مارج من نار وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت فأول من سكن الأرض الجن فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء وقتلوا بعضهم بعضا فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة فقتلهم حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال فلما فعل إبليس ذلك اغتر بنفسه وقال قد صنعت شيئا لم يصنعه أحد فاطلع الله على ذلك من قلبه ولم تطلع عليه الملائكة فقال الله للملائكة انى جاعل في الأرض خليفة فقالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء كما أفسدت الجن قال انى أعلم ما لا تعلمون يقول انى قد اطلعت من قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره ثم أمر بتربة آدم فرفعت فخلق الله آدم عليه السلام من طين لازب واللازب اللزج الطيب من حما مسنون منتن وانما كان حما مسنونا بعد التراب فخلق منه آدم بيده فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى فكان إبليس يأتيه يضربه برجله فيصلصل فيصوت ثم يدخل من فيه ويخرج من دبره ويدخل من دبره ويخرج من فيه ثم يقول لست شيئا ولشئ ما خلقت ولئن سلطت عليك لأهلكنك ولئن سلطت على لأعصينك فلما نفخ الله فيه من روحه أتت النفخة من قبل رأسه فجعل لا يجرى شئ منها في جسده الا صار لحما ودما فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من جسده فذهب لينهض فلم يقدر فهو قول الله خلق الانسان من عجل فلما تمت النفخة في جسده عطس فقال الحمد لله رب العالمين بالهام من الله فقال الله له يرحمك الله يا آدم ثم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السماوات اسجدوا لآدم فسجدوا الا إبليس أبى واستكبر لما حدث في نفسه من الكبر فقال لا أسجد له وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا فأبلسه الله وآيسه من الخير كله وجعله شيطانا رجيما * وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن أبي العالية قال إن الله خلق الملائكة يوم الأربعاء وخلق الجن يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة فكفر قوم من الجن فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم فكانت الدماء وكان الفساد في الأرض فمن ثم قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء * وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال لما خلق الله النار ذعرت منها الملائكة ذعرا شديدا وقالوا ربنا لما خلقت هذه قال لمن عصاني من خلقي ولم يكن لله خلق يومئذ الا الملائكة قالوا يا رب ويأتي علينا دهر نعصيك فيه قال لا انى أريد ان أخلق في الأرض خلقا واجعل فيها خليفة يسفكون الدماء ويفسدون في الأرض قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها فاجعلنا نحن فيها فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال انى أعلم مالا تعلمون * وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن وانما سموا الجن لانهم خزائن الجنة وكان إبليس مع ملكه خازنا فوقع في صدره كبر وقال ما أعطاني الله هذا الا لمزيد أو لمزية لي فاطلع الله على ذلك منه فقال للملائكة انى جاعل في الأرض خليفة قالوا ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء قال انى أعلم ما لا تعلمون * وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله وإذ قال ربك للملائكة الآية قال إن الله قال للملائكة انى خالق بشرا وانهم متحاسدون فيقتل بعضهم بعضا ويفسدون في الأرض فلذلك قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها قال وكان إبليس أميرا على ملائكة سماء الدنيا فاستكبروهم بالمعصية وطغى فعلم الله ذلك منه فذلك قوله انى أعلم مالا تعلمون وان في نفس إبليس بغيا * وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء قال قد علمت الملائكة وعلم الله انه لا شئ أكره عند الله من سفك الدماء والفساد في الأرض * وأخرج ابن المنذر وابن بطة في أماليه عن ابن عباس قال إياكم والرأي فان الله تعالى رد الرأي على الملائكة وذلك أن الله تعالى قال انى جاعل في الأرض خليفة
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»
الفهرست