الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ١ - الصفحة ٥٨
لمعصيتك يا آدم فعلت ذلك بك فلما رأى الله عرى آدم وحواء أمره ان يذبح كبشا من الضان من الثمانية الأزواج التي أنزل الله من الجنة فاخذ آدم كبشا وذبحه ثم أخذ صوفه فغزلته حواء ونسجه هو فنسج آدم جبة لنفسه وجعل لحواء درعا وخمارا فلبساه وقد كانا اجتمعا بجمع فسميت جمعا وتعارفا بعرفة فسميت عرفة وبكيا على ما فاتهما مائة سنة ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما ثم أكلا وشربا وهما يومئذ على نود الجبل الذي أهبط عليه آدم ولم يقرب حواء مائة سنة * وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس ان آدم كان لغته في الجنة العربية فلما عصى الله سلبه الله العربية فتكلم بالسريانية فلما تاب رد الله العربية * وأخرج أبو نعيم وابن عساكر عن مجاهد قال أوحى الله إلى الملكين أخرجا آدم وحواء من جواري فإنهما عصياني فالتفت آدم إلى حواء باكيا وقال استعدى للخروج من جوار الله هذا أول شؤم المعصية فنزع جبريل التاج عن رأسه وحل ميكائيل الإكليل عن جبينه وتعلق به غصن فظن آدم انه قد عوجل بالعقوبة فنكس رأسه يقول العفو العفو فقال الله فرارا منى فقال بل حياء منك يا سيدي * وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن عطاء ان آدم لما أهبط من الجنة خر في موضع البيت ساجدا فمكث أربعين سنة لا يرفع رأسه * وأخرج ابن عساكر عن قتادة قال لما اهبط الله آدم إلى الأرض قيل له لن تأكل الخبز بالزيت حتى تعمل عملا مثل الموت * وأخرج ابن عساكر عن عبد الملك بن عمير قال لما اهبط آدم وإبليس ناح إبليس حتى بكى آدم ثم حدا ثم ضحك * وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن آدم قبل ان يصيب الذنب كان أجله بين عينيه وأمله خلفه فلما أصاب الذنب جعل الله أمله بين عينيه وأجله خلفه فلا يزال يؤمل حتى يموت * وأخرج وكيع واحمد في الزهد عن الحسن قال كان آدم قبل أن يصيب الحطيئة أجله بين عينيه وأمله وراء ظهره فلما أصاب الخطيئة حول أمله بين عينيه وأجله وراء ظهره * وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده * وأخرج ابن عساكر عن الحسن ان آدم لما اهبط إلى الأرض تحرك بطنه فاخذه لذلك غم فجعل لا يدرى كيف يصنع فأوحى الله إليه ان اقعد فعقد فلما قضى حاجته فوجد الريح جزع وبكى وعض على إصبعه فلم يزل يعض عليها الف عام * وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال بكى آدم حين هبط من الجنة بكاء لم يبكه أحد فلو ان بكاء جميع بني آدم مع بكاء داود على خطيئته ما عدل بكاء آدم حين أخرج من الجنة ومكث أربعين سنة لا يرفع رأسه إلى السماء * وأخرج الطبراني في الأوسط وابن عدي في الكامل والبيهقي في شعب الايمان والخطيب وابن عساكر معا في التاريخ عن بريدة يرفعه قال لو أن بكاء داود وبكاء جميع أهل الأرض يعدل بكاء آدم ما عدله ولفظ البيهقي لو وزن دموع آدم بجميع دموع ولده لرجح دموعه على جميع دموع ولده * وأخرج ابن سعد عن الحسن قال بكى آدم على الجنة ثلثمائة سنة * وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال إن الله لما أهبط آدم وحواء قال اهبطوا إلى الأرض فلدوا للموت وابنوا للخراب * وأخرج ابن المبارك في الزهد عن مجاهد قال لما أهبط آدم إلى الأرض قال له ربه عز وجل ابن للخراب ولد للفناء * وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير قال لما أهبط آدم إلى الأرض كان فيها نسر وحوت في البحر ولم يكن في الأرض غيرهما فلما رأى النسر آدم وكان يأوي إلى الحوت ويبيت عنده كل ليلة قال يا حوت لقد أهبط اليوم إلى الأرض شئ يمشى على رجليه ويبطش بيده فقال له الحوت لئن كنت صادقا مالي في البحر منه منجا ولا لك في البر * قوله تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات) الآية * أخرج الطبراني في المعجم الصغير والحاكم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل وابن عساكر عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء فقال أسالك بحق محمد الا غفرت لي فأوحى الله إليه ومن محمد فقال تبارك اسمك لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممن جعلت اسمه مع اسمك فأوحى الله إليه يا آدم انه آخر النبيين من ذريتك ولولا هو ما خلقتك * وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في التوبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله فتلقى آدم من ربه كلمات قال أي رب ألم تخلقني بيدك قال بلى قال أي رب ألم تنفخ في من روحك قال بلى قال أي رب ألم تسبق
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست