الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ١ - الصفحة ٣٣٢
وابن عساكر من طرق عن ابن عباس وكعب والحسن ووهب يزيد بعضهم على بعض ان عزيرا كان عبدا صالحا حكيما خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعاهدها فلما انصرف انتهى إلى خربة حين قامت الظهيرة وأصابه الحر فدخل الخربة وهو على حمار له فنزل عن حماره ومعه سلة فيها تين وسلة فيها عنب فنزل في ظل تلك الخربة وأخرج قصعة معه فاعتصر من العنب الذي كان معه في القصعة ثم أخرج خبزا يابسا معه فألقاه في تلك القصعة في العصير ليبتل ليأكله ثم استلقى على قفاه وأسند رجليه إلى الحائط فنظر سقف تلك البيوت ورأى ما فيها وهي قائمة على عروشها وقد باد أهلها ورأى عظاما بالية فقال أنى يحي هذه الله بعد موتها فلم يشك ان الله يحييها ولكن قالها تعجبا فبعث الله ملك الموت فقبض روحه فأماته الله مائة عام فلما أتت عليه مائة عام وكان فيما بين ذلك في بني إسرائيل أمور واحداث فبعث الله إلى عزير ملكا فحلق قلبه ليعقل به وعينيه لينظر بهما فيعقل كيف يحي الله الموتى ثم ركب خلقه وهو ينظر ثم كسا عظامه اللحم والشعر والجلد ثم نفخ فيه الروح كل ذلك يرى ويعقل فاستوى جالسا فقال له الملك كم لبثت قال لبثت يوما وذلك أنه كان نام في صدر النهار عند الظهيرة وبعث في آخر النهار والشمس لم تغب فقال أو بعض يوم ولم يتم لي يوم فقال له الملك بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك يعنى الطعام الخبز اليابس وشرابه العصير الذي كان اعتصر في القصعة فإذا هما على حالهما لم يتغير العصير والخبز اليابس فذلك قوله لم يتسنه يعنى لم يتغير وكذلك التين والعنب غض لم يتغير عن حاله فكأنه أنكر في قلبه فقال له الملك أنكرت ما قلت لك أنظر إلى حمارك فنظر فإذا حماره قد بليت عظامه وصارت نخرة فنادى الملك عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركبه الملك وعزير ينظر إليه ثم ألبسها العروق والعصب ثم كساها اللحم ثم أنيت عليها الجلد والشعر ثم نفخ فيه الملك فقام الحمار رافعا رأسه وأذنيه إلى السماء شاهقا فذلك قوله وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما يعنى انظر إلى عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضا في أوصالها حتى إذا صارت عظاما مصورا حمارا بلا لحم ثم انظر كيف نكسوها لحما فلما تبين له قال اعلم أن الله على كل شئ قدير من احياء الموتى وغيره قال فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس وأنكر الناس وأنكر منازله فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله فإذا هو بعجوز عميا مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة لهم فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته فقال لها عزير يا هذه أهذا منزل عزير قالت نعم وبكت وقالت ما رأيت أحدا من كذا وكذا سنة يذكر عزيرا وقد نسيه الناس قال فإني أنا عزير قالت سبحان الله فان عزيرا قد فقدناه منذ مائة سنة فلم نسمع له بذكر قال فإني أنا عزير كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني قالت فان عزيرا كان رجلا مستجاب الدعوة يدعو للمريض ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء فادع الله ان يرد على بصرى حتى أراك فان كنت عزيرا عرفتك فدعا ربه ومسح يده على عينيها فصحتا وأخذ بيدها فقال قومي بإذن الله فأطلق الله رجلها فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال فنظرت فقالت أشهد أنك عزير فانطلقت إلى محلة بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم وابن لعزير شيخ ابن مائة سنة وثمان عشرة سنة وبنو بنيه شيوخ في المجلس فنادتهم فقالت هذا عزير قد جاءكم فكذبوها فقلت انا فلانة مولاتكم دعا لي ربه فرد على بصرى وأطلق رجلي وزعم أن الله كان أماته مائة سنة ثم بعثه فنهض الناس فاقبلوا إليه فنظروا إليه فقال ابنه كانت لأبي شامة سوداء بين كتفيه فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير فقالت بنو إسرائيل فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوراة فيما حدثنا غير عزير وقد حرق بختنصر التوراة ولم يبق منها شئ الا ما حفظت الرجال فاكتبها لنا وكان أبوه سروخا قد دفن التوراة أيام بختنصر في موضع لم يعرفه أحد غير عزير فانطلق بهم إلى ذلك الموضع فحفره فاستخرج التوراة وكان قد عفن الورق ودرس الكتاب فجلس في ظل شجرة وبنو إسرائيل حوله فجدد لهم التوراة فنزل من السماء شهابان حتى دخلا جوفه فتذكر التوراة فجددها لبني إسرائيل فمن ثم قالت اليهود عزير ابن الله للذي كان من أمر الشهابين وتجديده للتوراة وقيامه بأمر بني إسرائيل وكان جدد لهم التوراة بأرض السواد بدير حزقيل والقرية التي مات فيها يقال لها سابراباذ قال ابن عباس فكان كما قال الله ولنجعلك آية للناس يعنى لبني إسرائيل وذلك أنه كان يجلس مع بنى بنيه وهم شيوخ وهو شاب لأنه كان مات وهو ابن أربعين
(٣٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 ... » »»
الفهرست