تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٧٥
* فإن تقتلونا نقتلكم * وان تقصدوا الذم نقصد * ونظيره: قتل * (معه ربيون كثير فما وهنوا) * فأوهنوا أي: قتل معهم أناس من الربيين، فأوهن الباقون، والعامل في عند: ولا تقاتلوهم، و: حتى، هنا للغاية، وفيه متعلق بيقاتلوكم، والضمير عائد على عند، تعدى الفعل إلى ضمير الظرف فاحتيج في الوصول إيليه إلى: في، هذا، ولم يتسع فتعدى، الفعل إلى ضمير الظرف تعديته للمفعول به الصريح، لا يقال: إن الظرف إذا كان غير متصرف لا يجوز أن يتعدى الفعل إلى ضميره بالاتساع، لان ظاهره لا يجوز فيه ذلك، بل الاتساع جائز إذ ذاك. ألا ترى أنه يخالفه في جره بغي وإن كان الظاهر لا يجوز فيه ذلك؟ فكذلك يخالفه في الاتساع. فحكم الضمير إذ ذاك ليس كحكم الظاهر.
* (فإن قاتلوكم فاقتلوهم) * هذا تصريح بمفهوم الغاية، وفيه محذوف. أي: فإن قاتلوكم فيه فاقتلوهم فيه، ودل على إرادته سياق الكلام. ولم يختلف في قوله: فاقتلوهم، أنه أمر بقتلهم على ذلك التقدير، وفيه بشارة عظيمة بالغلبة عليهم، أي: هم من الخذلان وعدم النصرة بحيث أمرتم بقتلهم لا بقتالهم، فأنتم متمكنون منهم بحيث لا يحتاجون إلا إلى إيقاع القتل بهم، إذا ناشبوكم القتال لا إلى قتالهم.
* (كذالك جزاء الكافرين) * الكاف في موضع رفع لأنها خبر عن المبتدأ الذي هو خبر الكافرين.
المعنى: جزاء الكافرين مثل ذلك الجزاء، وهو القتل، أي: من كفر بالله تعالى فجزاؤه القتل، وفي إضافة الجزاء إلى الكافرين إشعار بعلية القتل.
* (فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم) * أي: عن الكفر، ودخلوا في الاسلام، ولذلك علق عليه الغفران والرحمة وهما لا يكونان مع الكفر * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * وتقدم ما يدل عليه من اللفظ وهو جزاء الكافرين، وسياق الكلام إنما هو مع الكفار، وقيل: فإن انتهوا عن المقاتلة والشرك، لتقدمهما في الكلام، وهو حسن، وقيل: عن القتال دون الكفر، وليس الغفران لهم على هذا القول، بل المعنى: فإن الله غفور لكم رحيم بكم حيث اسقط عنكم تكليف قتالهم، وقيل: الجواب محذوف، أي: فاغفروا لهم فإن الله غفور رحيم لكم، وعلى قول: إن الانتهاء عن القتال فقط تكون الآية منسوخة، وعلى القولين قبله تكون محكمة، ومعنى: انتهى: كف، وهو افتعل من النهي، ومعناه فعل الفاعل بنفسه، وهو نحو قولهم: اضطرب، وهو أحد المعاني التي جاءت لها: افتعل.
قالوا: وفي قوله: * (فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم) * دلالة على قبول توبة قاتل العمد، إذ كان الكفر أعظم مأثما من القتل، وقد أخبر تعالى أنه يقبل التوبة من الكفر.
* (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * ضمير المفعول عائد على من قاتله وهم كفار مكة، والفتنة هنا الشرك في قبول الجزية، قاله ابن عباس، وقتادة، والربيع، والسدي. أعني: أن الفتنة هنا والشرك وما تابعه من الأذى، وقيل: الضمير لجميع الكفار أمروا بقتالهم وقتلهم في كل مكان، فالآية عامة تتناول كل كافر من مشرك وغيره، ويخص منهم بالجزية من دل الدليل عليه، وقد تقدم قول من قال: إنها ناسخة، لقوله: ولا تقاتلوهم.
قال في (المنتخب): و الصحيح، أنه ليس كذلك، بل هذه الصيغة عامة وما قبله خاص، وهو: * (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام) * ومذهب الشافعي تخصيص العام سواء تقدم على المخصص أم تأخر عنه.
وقال أو مسلم: الفتنة هنا: القتال في الحرم، قال أمرهم الله بقتالهم حتى لا يكون
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»