نحو هذا المعنى الذي أيدناه فلم ينهض بتخليصه، فقال: الباء في: بأيديكم، مثلها في أعطى بيده للمنقاد، والمعنى: ولا تقبضوا التهلكة أيديكم، أي: لا تجعلوها آخذة بأيديكم، مالكة لكم، انتهى كلامه. وفي كلامه أن الباء مزيدة، وقد ذكرنا أن ذلك لا ينقاس.
* (وأحسنوا) * هذا أمر بالإحسان، والأولى حمله على طلب الإحسان من غير تقييد بمفعول معين.
وقال عكرمة: المعنى: وأحسنوا الظن بالله، وقال زيد بن أسلم: وأحسنوا بالإنفاق في سبيل الله، وفي الصدقات. وقيل: وأحسنوا والمجاهد محسن.
* (إن الله يحب المحسنين) * هذا تحريض على الإحسان لأن فيه إعلاما بأن الله يحب من الإحسان صفة له، ومن أحبه الله لهذا الوصف فينبغي أن يقوم وصف الإحسان به دائما بحيث لا يخلو منه محبة الله دائما.
* (وأتموا الحج والعمرة لله) * الإتمام كما تقدم ضد النقص، والمعنى: إفعلوهما كاملين ولا تأتوا بهما ناقصين شيئا من شروطهما، وأفعالهما التي تتوقف وجود ماهيتهما عليهما، كما قال غيلان:
* تمام الحج أن تقف المطايا * على خرقاء واضعة اللثام * جعل: وقوف المطايا على محبوبته، وهي: مي، كبعض مناسك الحج الذي لا يتم إلا به. هذا ظاهر اللفظ، وقد فسر: الإتمام، بغير ما يقتضيه الظاهر. قال الشعبي، وابن زيد: إتمامهما أن لا ينفسخ، وأن تتمهما إذا بدأت بهما.
وقال علي، وابن مسعود، وابن عباس، وسعيد، وطاووس: إتمامهما أن تحرم بهما مفردين من دويرة أهلك، وفعله عمران بن حصين. وقال الثوري: إتمامهما أن تخرج قاصدا لا لتجارة ولا لغير ذلك، ويؤيد هذا قوله: لله.
وقال القاسم بن محمد وقتادة: إتمامهما أن تحرم بالعمرة وتقضيها في غير أشهر الحج، وأن تتم الحج دون نقص ولا جبر بدم، وقالت فرقة: إتمامهما أن تفرد كل واحد من حج أو عمرة ولا تقرن، والإفراد عند هؤلاء أفضل.
وقال قوم: إتمامهما: أن تقرن بينهما، والقران عند هؤلاء أفضل. وقال ابن عباس، وعلقمة، وإبراهيم، وغيرهم: إتمامها أن تقضي مناسكهما كاملة بما كان فيها من دماء، وهذا يقرب من القول الأول، وقال قوم: أن يفرد لكل واحد منهما سفرا. وقيل: أن تكون النفقة حلالا وقال مقاتل: إتمامهما أن لا تستحل فيهما ما لا يجوز، وكانوا يشركون في إحرامهم، يقولون: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. فقال: أتموهما ولا تخلطوا بهما شيئا.
وقال الماتريدي: إنما قال * (وأتموا الحج والعمرة لله) * لأن الكفرة كانوا يفعلون الحج لله والعمرة للصنم، وقال المروزي: كان الكفار يحجون للأصنام.
وقرأ علقمة: وأقيموا الحج وقرأ طلحة بن مصرف: الحج، بالكسر هنا، وفي آل عمران، وبالفتح في سائر القرآن وتقدم قراءة ابن إسحاق: الحج بالكسر في جميع القرآن، وسيأتي ذكر الخلاف في قوله: * (حج البيت) * في موضعه.
وقرأ ابن مسعود: وأتموا الحج والعمرة إلى البيت لله وقرأ علي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر والشعبي، وأبو حيوة، والعمرة، لله بالرفع على الابتداء والخبر، فيخرج العمرة عن الأمر، وينفرد به الحج وروي أيضا: وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت، وينبغي أن يحمل هذا كله على التفسير، لأنه مخالف لسواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون. والله متعلق بأتمو وهو مفعول لأجله ويجوز أن يكون في موضع الحال، ويكون العامل محذوفا تقديره: كائنين لله، ولا خلاف