تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٨٦
النحر عند أبي حنيفة، ويجوز عند الشافعي ذبحه إذا أحرم بحجته، والظاهر وجوب الذبح عند حصول التمتع عقيبه.
وصورة التمتع على من جعل قوله: فإذا أمنتم فمن تمتع، خاصة بالمحصرين، تقدمت في قول ابن الزبير، وقول ابن جبير ومن معه، وأما على قول من جعلها عامة في المحصر وغيره فالتمتع كيفيات.
إحداها: أن يحرم غير المكي بعمرة أولا في أشهر الحج في سفر واحد في عام، فيقدم مكة. فيفرع من العمرة ثم يقيم حلالا إلى أن ينشئ الحج من مكة في عام العمرة قبل أن يرجع إلى بلده، أو قبل خروجه إلى ميقات أهل ناحيته، ويكون الحج والعمرة عن شخص واحد.
الثانية: أن يجمع بين الحج والعمرة في الإحرام، وهو المسمى: قرانا، فيقول: لبيك بحجة وعمرة معا، فإذا قدم مكة طاف بحجه وعمرته وسعى. فروي عن علي وابن مسعود: يطوف طوافين ويسعى سعيين، وبه قال الشعبي وجابر بن زيد، وابن أبي ليلى؛ وروي عن عبد الله بن عمر: طواف واحد وسعي واحد لهما، وبه قال عطاء، والحسن، ومجاهد، وطاووس، ومالك، والشافعي وأصحابهما، وإسحاق، وأبو ثور.
وجعل القران من باب التمتع لترك النصب في السفر إلى العمرة مرة، وإلى الحج أخرى، ولجمعهما، ولم يحرم بكل واحد من ميقاته، فهذا وجه من التمتع لا خلاف في جوازه، قيل: وأهل مكة لا يجيزون الجمع بين العمرة والحج إلا بسياق الهدي، وهو عندكم: بدنة لا يجوز دونها.
وقال مالك: ما سمعت أن مكيا قرن، فإن فعل لم يكن عليه هدي ولا صيام، وعلى هذا جمهور الفقهاء؛ وقال ابن الماجشون. إذا قرن المكي الحج مع العمرة كان عليه دم القران، وقال عبد الله بن عمر: المكي إذا تمتع أو قرن لم يكن عليه دم قران ولا تمتع.
الثانية: أن يحرم بالحج، فإذا دخل مكة فسخ حجه في عمرة، ثم حل وأقام حلالا حتى يهل بالحج يوم التروية، وجمهور العلماء على ترك العمل بها. وروي عن ابن عباس، والحسن، والسدي جوازها، وبه قال أحمد.
وظاهر الآية يدل على وجوب الهدي للواحد. أو الصوم لمن لم يجد إذا تمتع بالعمرة في أشهر الحج، ثم رجع إلى بلده، ثم حج من عامه. وهو مروي عن سعيد بن المسيب، والحسن.
وقد روي عن الحسن أنه لا يكون متمتعا فلا هدي ولا صوم، وبه قال الجمهور، وظاهر الآية أنه لو اعتمر بعد يوم النحر فليس متمتعا، وعلى هذا قالوا: الإجماع لأن التمتع مغيا إلى الحج ولم يقع المغيا.
وشذ الحسن فقال: هي متعة، والظاهر أنه إذا اعتمر في غير أشهر الحج، ثم أقام إلى أشهر الحج ثم حج من عامه فهو متمتع، وبه قال طاووس، وقال الجمهور: لا يكون متمتعا.
* (فمن لم يجد) * مفعول: يجد، محذوف لفهم المعنى، التقدير: فمن لم يجد ما استيسر من الهدي، ونفي الوجدان إما لعدمه أو عدم ثمنه. * (فصيام ثلاثة أيام) *: ارتفع صيام على الابتداء، أي: فعليه، أو على الخبر، أي: فواجب. وقرئ: فصيام، بالنصب أي: فليصم صيام ثلاثة أيام، والمصدر مضاف للثلاثة بعد الاتساع، لأنه لو بقي على الظرفية لم تجز الإضافة. * (في الحج) * أي: في أشهر الحج فله أن يصومها فيها ما بين الإحرامين، إحرام العمرة، وإحرام الحج، قاله عكرمة، وعطاء، وأبو حنيفة، قال: والأفضل أن يصوم يوم التروية وعرفة ويوما قبلهما، وإذ مضى هذا الوقت لم يجزه إلا الدم، وقال عطاء أيضا، ومجاهد: لا يصومها إلا في عشر ذي الحجة، وبه قال الثوري، والأوزاعي. وقال ابن عمر، والحسن، والحكم: يصوم يوما قبل التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة، وكل هؤلاء يقولون: لا يجوز تأخيرها عن عشر ذي الحجة، لأنه بانقضائه ينقضي الحج. وقال علي، وابن عمر: لو فاته صومها قبل يوم النحر صامها في أيام التشريق، لأنها من أيام الحج. وعن عائشة، وعروة، وابن عمر. في رواية ابنه سالم عنه: أنها أيام التشريق. وقيل: زمانها بعد إحرامه، وقيل: يوم النحر، قاله علي، وابن عمر، وابن عباس، والحسن، ومجاهد، وابن جبير، وقتادة، وطاووس، وعطاء، والسدي؛ وبه قال مالك؛ وقال الشافعي، وأحمد: يصومهن ما بين أن يحرم بالحج إلى ى يوم عرفة، وهو قول ابن عمر، وعائشة.
وروي هذا عن مالك، وهو قوله في (الموطأ) ليكون يوم عرفة مفطرا. وعن أحمد: يجوز أن يصوم الثلاثة قبل أن يحرم، وقال قوم: له أن يؤخرها ابتداء إلى يوم التشريق، لأنه لا يجب عليه الصوم إلا بأن لا يجد الهدي يوم النحر.
وقال عروة: يصومها ما دام بمكة، وقاله أيضا مالك، وجماعة من أهل المدينة،
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»