تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٥١
حدث عنه، ولم يحدثنا عنه من شيوخنا غيره، عن أبي الحسن علي بن عبد الله بن موهب الجذامي، وهو آخر من حدث عنه عن أبي العباس بن دلهاث، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحسن بن مندار بمكة قالا، أعني عبد الغفار، وابن مندار: أخبرنا أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ابن سفيان الفقيه، أخبرنا الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، قال: وحدثنا عون بن سلام الكوفي، حدثنا محمد بن طلحة اليامي، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله، قال: حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس، أو اصفرت، فقال رسو الله صلى الله عليه وسلم): (شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا)، أو: (حشا الله أجوافهم وقبورهم نارا)..
وقرأ عبد الله،: * (وعلى * الصلواة * الوسطى) * بإعادة الجار على سبيل التوكيد، وقرأت عائشة: والصلاة، بالنصب، ووجه الزمخشري على أنه نصب على المدح والاختصاص، ويحتمل أن يراعى موضع: على الصلاة، لأنه نصب كما تقول: مررت بزيد وعمرا، وروي عن قالون أنه قرأ: الوسطى، بالصاد أبدلت السين صادا المجاورة الطاء، وقد تقدم الكلام على هذا في قوله: الصراط.
* (وقوموا لله قانتين) * أي: مطيعين قاله الشعبي، وجابر بن زيد، وعطاء، وابن جبير، والضحاك، والحسن. أو: خاشعين، قاله مجاهد، أو: مطيلين القيام، قاله ابن عمر، والربيع. أو: داعين، قاله ابن عباس، أو: ساكتين، قاله السدي، أو: عابدين، أو: مصلين، أو: قارئين، روي هذا عن ابن عمر، أو: ذاكرين الله في القيام، قاله الزمخشري أو: راكدين كافي الأيدي والأبصار، قاله مجاهد، وهو الذي بعبر عنه قبل بالخشوع.
والأظهر بحمله على السكوت، إذ صح أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة، حتى نزلت: * (وقوموا لله قانتين) * فأمروا بالسكوت. والمعنى: وقوموا في الصلاة.
وروي أنهم كانوا إذا قام أحدهم إلى الصلاة هاب الرحمن أن يمد بصره، أو يلتفت، أو يقلب الحصا، أو يحدث نفسه بشيء من أمور الدنيا، وإذا كان القنوت في الآية هو السكوت على ما جاء في الحديث، فأجمعوا على أنه: لو تكلم عامدا وهو يعلم أنه في الصلاة، ولم يكن ذلك في إصلاح صلاته، فسدت صلاته إلا ما روي عن الأوزاعي: أن الكلام لإحياء نفس، أو مثل ذلك من الأمور الجسام، لا يفسد الصلاة.
أو: ساهيا، فقال مالك والشافعي: لا تفسد، وعن مالك في بعض صور الكلام خلاف بينه وبين أصحابه، وقال أبو حنيفة، والثوري: تفسد كالعمد، لإصلاح صلاة كان أو لغيره، وهو قول النخعي، وعطاء، والحسن، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان.
واختلف قول أحمد فنقل الخرقي كقول أبي حنيفة، ونقل الأثرم عنه: إن تكلم لإصلاحها لم تفسد، أو لغيره فسدت، وهذا قول مالك.
وفي قوله: * (وقوموا لله قانتين) * دليل على مطلوبية القيام، وأجمعوا على أن القيام في صلاة الفرض واجب على كل صحيح قادر عليه، كان منفردا أو إماما؟ واختلفوا في المأموم الصحيح يصلي خلف إمام مريض قاعدا ولا يستطيع القيام، فأجاز ذلك جمهور العلماء: جابر بن زيد، والأوزاعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو أيوب، وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو خيثمة، وابن أبي شيبة، ومحمد بن إسماعيل، ومن تبعهم من أصحاب الحديث مثل: محمد بن نصر، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة: فيصلي وراءه جالسا على مذهب هؤلاء، وأفتى به من الصحابة: جابر، وأبو هريرة، وأسيد بن حضير، وقيس بن فهر وروي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم): أنس، وعائشة، وأبو هريرة، وجابر، وابن عمر، وأبو أمامة الباهلي.
وأجازت طائفة صلاة القائم خلف صلاة المريض قاعدا، وإلى هذا ذهب: الشافعي، وداوود، وزفر، وجماعة بالمدينة، وهي رواية غريبة عنه. والمشهور عن مالك أنه لا يؤم أحد جالسا، فإن فعل بطلت صلاته وصلاتهم إلا إن كان عليلا، فتصح صلاته وتفسد صلاتهم، وإلى هذا ذهب محمد بن الحسن، قال أبو حاتم محمد بن
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»