تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٦٢
المعطى بمعنى الإعطاء، وجمع لاختلاف جهات التضعيف باعتبار الإخلاص، وهذه المضاعفة غير محدودة لكنها كثيرة.
قال الحسن، والسدي: لا يعلم كنه التضعيف إلا الله تعالى: وهو قول ابن عباس، وقد رويت مقادير من التضعيف، وجاء في القرآن: * (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة) * ثم قال: * (والله يضاعف لمن يشاء) *.
قيل والآية عامة في سائر وجوه البر من: صدقة، وجهاد، وغير ذلك، وقيل: خاصة بالنفقة في الجهاد، وقيل: بالصدقة وإنفاق المال على الفقراء المحتاجين.
* (والله يقبض ويبسط) * أي: يسلب قوما ويعطي قوما، أو: يقتر ويوسع، قاله الحسن، أو: يقبض الصدقات ويخلف البذل مبسوطا، أو: يقبض أي: يميت لأن من أماته فقد قبضه، ويبسط أي: يحييه، لأن من مد له في عمره فقد بسطه، أو: يقبض بعض القلوب فلا تنبسط، ويبسط بعضها فيقدم خيرا لنفسه، أو: يقبض بتعجيل الأجل، ويبسط بطول الأمل، أو: يقبض بالخطر ويبسط بالإباحة، أو: يقبض الصدر ويوسعه، أو يقبض يد من يشاء بالإنفاق في سبيله، يبسط يد من يشاء بالإنفاق؛ قاله أبو سليمان الدمشقي وغيره، أو: يقبض الصدقة ويبسط الثواب، قاله الزجاج. وهشام، وقنبل، والنقاش، عن الأخفش هنا، وأبو قرة عن نافع: يبسط بالسين، وخير الحلواني، عن قالون، عن نافع، والباقون: بالصاد.
* (وإليه ترجعون) * خبر معناه الوعيد أي: فيجازيكم بأعمالكم.
قيل: وتضمنت هذه الآية الكريمة من ضروب علم البيان، وصنوف البلاغة: الاستفهام الذي أجرى مجرى التعجب في قوله: * (ألم تر إلى الذين) * والحذف بين: موتوا ثم أحياهم، أي: فماتوا ثم أحياهم، وفي قوله تعالى: فقال لهم الله، أي: ملك الله بإذنه، وفي لا يشكرون أي: لا يشكرونه، وفي قوله: سميع لأقوالكم عليم باعمالكم، وفي قوله: ترجعون، فيجازي كلا بما عمل. والطباق في قوله: موتوا ثم أحياهم، وفي: يقبض ويبسط؛ والتكرار في: على الناس، ولكن أكثر الناس؛ والالتفات في: وقاتلوا في سبيل الله؛ والتشبيه بغير أداته في: قرضا حسنا، شبه قبوله تعالى إنفاق العبد في سبيله ومجازاته عليه بالقرض الحقيقي، فأطلق اسم القرض عليه، والاختصاص بوصفه بقوله: حسنا؛ والتجنيس المغاير في قوله: فيضاعفه له أضعافا. * (ألم تر إلى الملإ من بنى إسرءيل من بعد موسى إذ قالوا لنبى لهم ابعث لنا ملكا نقاتل فى) * مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة، وذلك أنه لما أمر المؤمنين بالقتال في سبيل الله، وكان قد قدم قبل ذلك قصة الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت، إما بالقتال أو بالطاعون، على سبيل التشجيع والتثبيت للمؤمنين، والإعلام بأنه: لا ينجي حذر من قدر، أردف ذلك بأن القتال كان مطلوبا مشروعا في الأمم السابقة، فليس من الأحكام التي خصصتم بها، لأن ما وقع فيه الاشتراك كانت النفس أميل لقبوله من التكليف الذي يكون يقع به الانفراد، وتقدم الكلام على قوله: ألم تر، فأغنى عن إعادته، والملأ هنا، قال ابن عطية: جميع القوم، قال: لأن المعنى يقتضيه، وهذا هو أصل وضع اللفظة. وتسمي الأشراف الملأ تشبيها. إنتهى. يعني: والله أعلم تشبيها بجميع القوم. وقد تقدم تفسير الملأ في الكلام على المفرات.
* (من بنى إسراءيل) * في موضع الحال، فيتعلق بمحذوف أي: كائنين من بني إسرائيل وعلى مذهب الكوفيين هو صلة للملأ، لأن الاسم المعرف بالألف واللام يجوز عندهم أن يكون موصولا، كما زعموا ذلك في قوله:
لعمري لأنت البيت أكرم أهله فأكرم عندهم صلة للبيت لا موضع له من الإعراب، كذلك: من بني إسرائيل، العامل فيه لا موضع له من الإعراب.
* (من بعد موسى) * متعلق بما تعلق به: * (من بنى إسراءيل) * هو كائنين، وتعدى إلى حرفي جر من لفظ واحد لاختلاف المعنى
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»