تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٤٦
الأولياء.
وأجيب عن الأول: بأن * (بيده عقدة النكاح) * من حيث كان عقدها قبل، فعبر بذلك عن الحالة السابقة، وللنص الذي سبق في قوله: * (ولا تعزموا عقدة النكاح) * والمراد به خطاب الأزواج.
وعن الثاني: أنه على سبيل المشاكلة، أو لكونه قد ساق الصداق إليها، وقد تقدم ذكر ذلك.
وعن الثالث: أنه لا إلباس فيه، وهو من باب الالتفات، إذ فيه خروج من خطاب إلى غيبة، وإنما قلنا: لا إلباس فيه، وأنه يتعين أن يكون الزوج، لإجماع أهل العلم على أنه لا يجوز للأب أن يهب شيئا من مال بنته لا لزوج ولا لغيره، فكذلك المهر، إذ لا فرق.
ويحتمل أن يكون قوله: * (بيده عقدة النكاح) * على حذف مضاف أي: بيده حل عقدة النكاح، كما قالوا في قوله: * (ولا تعزموا عقدة النكاح) * أي: على عقدة النكاح.
ولو فرضنا أن قوله: * (أو يعفوا الذى بيده عقدة النكاح) * من المتشابه، لوجب رده إلى المحكم. قال الله تعالى: * (وءاتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) * وقال تعالى: * (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم) * وقال: * (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن شيئا إلا أن يخافا) * الآية. فهذه الآية محكمة تدل ععلى أن الولي لا دخول له في شيء من أخذ مال الزوجة، ورجح أيضا أنه الزوج بأن عقدة النكاح كانت بيد الولي فصارت بيد الزوج، وبأن العفو يطلق على ملك الانسان وعفو الولي عفو عما لا يملك، وبأن قوله: * (ولا تنسوا الفضل) * يدل على أن الفضل في هبة الإنسان مال نفسه لا مال غيره.
وقرأ الحسن: أو يعفو، بتسكين الواو، فتسقط في الوصل لالتقائها ساكنة مع الساكن بعدها، فإذا وقف أثبتها، وفعل ذلك استثقالا للفتحة في حرف العلة، فتقدر الفتحة فيها كما تقدر في الألف في نحو: لن يخشى، وأكثر العرب على استخفاف الفتحة في الواو والياء في نحو: لن يرمي ولن يغزو، وحتى إن أصحابنا نصوا على أن إسكان ذلك ضرورة، وقال:
* فما سودتني عامر عن وراثة * أبى الله أن أسمو بأم ولا أب * قال ابن عطية والذي عندي أنه استثقل الفتحة على واو متطرفة قبلها متحرك لقلة مجيئها في كلام العرب، وقد قال الخليل، رحمه الله: لم يجيء في الكلام واو مفتوحة متطرفة قبلها فتحة إلا في قولهم: عفوة، وهو جمع: عفو، وهو ولد الحمار، وكذلك الحركة ما كانت قبل الواو مفتوحة، فإنها ثقيلة. إنتهى كلامه.
وقوله: لقلة مجيئها في كلام العرب، يعني مفتوحة مفتوحا ما قبلها، هذا الذي ذكر فيه تفصيل، وذلك أن الحركة قبلها إما أن تكون ضمة أو فتحة أو كسرة، إن كانت ضمة فإما أن يكون ذلك في فعل أو اسم، إن كان في فعل فليس ذلك بقليل، بل جميع المضارع إذا دخل عليه الناصب، أو لحقه نون التوكيد، على ما أحكم في بابه، ظهرت الفتحة فيه نحو: لن يغزو، وهل يغزون، والأمر نحو: اغزون، وكذلك الماضي على فعل نحو: سرو الرجل، حتى ما بنى من ذوات الياء على فعل تقول فيه: لقضو الرجل، ولرموت اليد، وهو قياس مطرد على ما أحكم في بابه؛ وإن كان في اسم فإما أن يكون مبنينا على هاء التأنيث، أو لا. إن كان مبنيا على هاء التأنيث فجاء كثيرا نحو: عرقوة، وترقوه، وقمحدوه، وعنصوة، وتبنى عليه المسائل في علم التصريف، وإن كانت الحركة فتحة فهو قليل، كما ذكره الخليل، وإن كانت كسرة انقلبت الواو فيه ياء، نحو الغازي، والغازية، والقريقية، وشذ من ذلك: أقروه جمع قرو، وهي ميلغة الكاب، و: سواسوة وهم: المستوون في الشر، و: مقاتوه جمع مقتو، وهو السايس الخادم.
والألف واللام في النكاح للعهد أي عقدة لها، قال المغربي: وهذا على طريقة البصريين، وقال غيره الألف واللام بدل الإضافة أي: نكاحه، قال الشاعر:
* لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم * من الناس والأحلام غير عوازب * أي: وأحلامهم، وهذا على طريقة الكوفيين.
* (وأن تعفوا أقرب للتقوى) *. هذا خطاب للزوج والزوجة، وغلب
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»