تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٥٢
حبان البستي: وأول من أبطل صلاة المأموم قاعدا إذا صلى إمامه جالسا المغيرة بن مقسم صاحب النخعي، وأخذ عنه حماد بن أبي سليمان، ثم أخذ عن حماد أبو حنيفة، وتبعه عليه من بعده من أصحابه.
* (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) * لما ذكر المحافظة على الصلوات، وأمر بالقيام فيها قاتنين، كان مما يعرض للمصلين حالة يخافون فيها، فرخص لهم في الصلاة ماشين على الأقدام، وراكبين.
والخوف يشمل الخوف من: عدو، وسبع، وسيل وغير ذلك، فكل أمر يخاف منه فهو مبيح ما تضمنته الآية هذه.
وقال مالك: يستحب في غير خوف العدو الإعادة في الوقت إن وقع الأمن، وأكثر الفقهاء على تساوي الخوف.
و: رجالا، منصوب على الحال، والعامل محذوف، قالوا تقديره: فصلوا رجالا، ويحسن أن يقدر من لفظ الأول، أي: فحافظوا عليها رجالا، ورجالا جمع راجل، كقائم وقيام، قال تعالى: * (وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا) * وقال الشاعر:
* وبنو غدانة شاخص أبصارهم * يمشون تحت بطونهن رجالا * والمعنى: ماشين على الأقدام، يقال منه: رجل يرجل رجلا، إذا عدم المركوب، ومشى على قدميه، فهو راجل ورجل ورجل، على وزن رجل مقابل امرأة. وهي لغة أهل الحجاز، يقولون: مشى فلان إلى بيت الله حافيا رجلا، ويقال رجلان ورجيل ورجل، قال الشاعر:
* علي إذا لاقيت ليلى بخلوة * أن ازدار بيت الله رجلان حافيا * قالوا: ويجمع على: رجال ورجيل ورجالى ورجالى ورجالة ورجلان ورجلة ورجلة بفتح الجيم وأرجلة وأراجل وأراجيل؛ قرأ عكرمة، وأبو مجلز: فرجالا، بضم الراء وتشديد الجيم، وروي عن عكرمة التخفيف مع ضم الراء، وقرئ: فرجلا، بضم الراء وفتح الجيم مشدودة بغير ألف؛ وقرئ: فرجلا، بفتح الراء وسكون الجيم.
وقرأ بديل بن ميسرة: فرجالا فركبانا بالفاء، وهو جمع راكب. قال الفضل: لا يقال راكب إلا لصاحب الجمل، وأما صاحب الفرس فيقال له فارس، ولراكب الحمار حمار، ولراكب البغل بغال، وقيل: الأفصح أن يقال: صاحب بغل، وصاحب حمار.
وظاهر قوله: * (فإن خفتم) * حصول مطلق الخوف، وأنه بمطلق الخوف تباح الصلاة في هاتين الحالتين.
وقالوا: هي صلاة الغداة للذي قد ضايقه الخوف على نفسه في حالة المسايفة أو ما يشبهه، وأما صلاة الخوف بالإمام، وانقسام الناس فليس حكمها في هذه الآية.
وقيل: فرجالا، مشاة بالجماعة لأنهم يمشون إلى العدو في صلاة الخوف، أو ركبانا أي: وجدانا بالإيماء.
وظاهر قوله: فرجالا، أنهم يوقعون الصلاة وهم ماشون، فيصلون على كل حال، والركب يوميء ويسقط عنه التوجه إي القبلة، وهو قول الشافعي؛ وقال أبو حنيفة: لا يصلون في حال المشي والمسايفة ما لم يمكن الوقوف.
ولم تتعرض الآية لعدد الركعات في هذا الخوف، والجمهور أنها لا تقصر الصلاة عن عدد صلاة المسافر إن كانوا في سفر تقصر فيه، وقال الحسن، وقتادة، وغيرهما: تصلى ركعة إيماء. وقال الضحاك بن مزاحم: تصلي في المسايفة وغيرها ركعة، فإن لم يقدر فليكبر تكبيرتين. وقال إسحاق: فإن لم يقدر إلا على تكبيرة واحدة أجزأت عنه، ولو رأوا سوادا فظنوه عدوا ثم تبين أنه ليس بعدو، فقال أبو حنيف: يعيدون.
وظاهر الآية: أنه متى عرض له الخوف فله أن يصلي على هاتي الحالتين، فلو صلى بركعة آمنا ثم طرأ له الخوف ركب وبنى، أو عكسه: أتم وبنى، عند مالك، وهو أحد قولي الشافعي، وبه قال المزني.
وقال أبو حنيفة: إذا استفتح آمنا ثم خاف، استقبل ولم يبن فإن صلى خائفا ثم أمن بنى؛ وقال أبو يوسف: لا يبنى في شيء من هذا كله.
وتدل هذه الآية على
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»