تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٥٤
ذلك، ثم نسخ بنزول الفرائض، فأخذت ربعها أو ثمنها، ولم يكن لها سكنى ولا نفقة، وصارت الوصايا لمن لا يرث.
ونقل القاضي أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي، وأبو محمد بن عطية الإجماع على نسخ الحول باللآية التي قبل هذه. وروى بالبخاري عن ابن الزبير، قال: قلت لعثمان: هذه الآية في البقرة * (والذين يتوفون منكم * وخلقناكم أزواجا) * إلى قوله: * (غير إخراج) * قد نسخت الأخرى فلم تكتبها. قال: ندعها يا ابن أخي، لا أغير شيئا من مكانه. إنتهى. ويعني عثمان: من مكانه الذي رتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه، لأن ترتيب الآية من فعله صلى الله عليه وسلم) لا من اجتهاد الصحابة.
واختلفوا هل الوصية كانت واجبة من الله بعد وفاة الزوج؟ فقال ابن عباس، وعطاء، وقتادة، والضحاك، وان زيد: كان لها بعد وفاته السكنى والنفقة حولا في ماله ما لم تخرج برأيها، ثم نسخت النفقة بالربع أو الثمن، وسكنى الحول بالأربعة الأشهر والعشر. أم كانت على سبيل الندب؟ ندبوا بأن يوصوا للزوجات بذلك، فيكون يتوفون على هذا يقاربون. وقاله قتادة أيضا، والسددي، وعليه حمل الفارسي الآية في الحجة له.
وقرأ الحرميان، والكسائي، وأبو بكر: وصية بالرفع، وباقي السبعة، بالنصب وارتفاع: والذين، على الابتداء. ووصية بالرفع على الابتداء وهي نكرة موصوفة في المعنى، التقدير: وصية منهم أو من الله، على اختلاف القولين في الوصية، أهي على الايجاب من الله؟ أو على الندب للأزواج؟ وخبر هذا المبتدأ هو قوله: لأزواجهم، والجملة: من وصية لأزواجهم، في موضع الخبر عن: بالذين، وأجازوا أن يكون: وصية، مبتدأ و: لأزواجهم، صفة. والخبر محذوف تقديره: فعليهم وصية لأزواجهم.
وحكي عن بعض النحاة أن: وصية، مرفوع بفعل محذوف تقديره: كتب عليهم وصية، قيل: وكذلك هي في قراءة عبد الله، وينبغي أن يحمل ذلك على أنه تفسير معنى لا تفسير إعراب، إذ ليس هذا من المواضع التي يضمر فيها الفعل.
وأجاز الزمخشري أن يكون التقدير: ووصية الذين يتوفون، أو: وحكم الذين يتوفون وصية لأزواجهم، فيكون ذلك مبتدأ على بحذف مضاف، وأجاز أيضا أن يكون التقدير: والذين يتوفون أهل وصية، فجعل المحذوف من الخبر، ولا ضرورة تدعو بنا إلى بادعاء بهذا الحذف، وانتصاب وصية على إضمار فعل، التقدير: والذين يتوفون، فيكون: والذين، مبتدأ و: يوصون المحذوف، هو الخبر، وقدره ابن عطية: ليوصوا، وأجاز الزمخشري ارتفاع: والذين، على أنه مفعول لم يسم فاعله على إضمار فعل، وانتصاب وصية على أنه مفعول ثان، التقدير: وألزم الذين يتوفون منكم وصية، وهذا ضعيف، إذ ليس من مواضع إضمار الفعل، ومثله في الضعف من رفع: والذين، على إضمار: وليوص، الذين يتوفون، وبنصب وصية على المصدر، ووفي حرف ابن مسعود: الوصية لأزواجهم، وهو مرفوع بالابتداء و: لأزواجهم الخبر، أو خبر مبتدأ محذوف أي: عليهم الوصية.
وانتصب متاعا إما على إضمار فعل من لفظه أي: متعوهن متاعا، أو من غير لفظه أي: جعل الله لهن متاعا، أو بقوله: وصية أهو مصدر منون يعمل، كقوله:
* فلولا رجاء النصر منك ورهبة * عقابك قد كانوا لنا كالموارد * ويكون الأصل: بمتاع، ثم حذف حرف الجر؟ فإن نصبت: وصية فيجوز أن ينتصب متاعا بالفعل الناصب لقوله: وصية، ويكون انتصابه على المصدر، لأن معنى: يوصي به بمتع بكذا، وأجازوا أن يكون متاعا صفة لوصية، وبدلا وحالا من الموصين، أي: ممتعين، أو ذوى متاع، ويجوز أن ينتصب حالا من أزواجهم، أي: ممتعات أو ذوات متاع، ويكون حالا مقدرة إن كانت الوصية من الأزواج.
وقرأ أبي: متاع لأزواجهم متاعا إلى الحول، وروي عنه: فمتاع، ودخول الفاء في خبر: والذين، لأنه موصول ضمن معنى الشرط، فكأنه قيل: ومن يتوف، وينتصب: متاعا إلى الحول، بهذا المصدر، إذ معناه التمتيع، كقولك: أعجبني ضرب لك زيدا ضربا شديدا.
وانتصب: غير إخراج، صفة لمتاعا، أو بدلا من متاع أو حالا من الأزواج أي: غير مخرجات، أو: من الموصين أي: غير مخرجين، أو مصدرا مؤكدا، أي: لا إخراجا، قاله الأخفش.
* (فإن خرجن فلا جناح عليكم * فيما فعلن فى أنفسهن من معروف) * منع من له الولاية عليهن من إخراجهن، فإن خرجن مختارات للخروج ارتفع الحرج عن الناظر في أمرهن، إذ خروجهن مختارات جائز لهن، وموضح انقطاع تعلقهن بحال الميت، فليس له منعهن
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»