تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٤٩
وهو خيار الشيء وأعدله، كما يقال: فلان من واسطة قومه، أي: من أعيانهم، وهل سميت: الوسطى، لكونها بين شيئين من: وسط فلان يسط، إذا كان وسطا بين شيئين؟ أو: من وسط قومه إذا أفضلهم؟ فيه قولان، والذي تقتضيه العربية أن تكون الوسطى مؤنث الأوسط، بمعنى الفضلى مؤنث الأفضل، كالبيت الذي أنشدناه: يا أوسط الناس، وذكر أن أفعل التفضيل لا يبنى إلا مما يقبل الزيادة والنقص، وكذلك فعل التعجب، فكل ما لا يقبل الزيادة والنقص لا يبنيان منه ألا ترى أنك لا تقول زيد أموت الناس؟ ولا: ما أموت زيدا؟ لأن الموت شيء لا يقبل الزيادة ولا النقص، وإذا تقرر هذا فكون الشيء وسطا بين شيئين لا يقبل الزيادة ولا النقص، فلا يجوز أن يبنى منه أفعل التفضيل، لأنه لا تفاضل فيه، فتعين أن تكون الوسطى بمعنى الأخير والأعدل، لأن ذلك معنى يقبل التفاوت، وخصت الصلاة الوسطى بالذكر، وان كانت قد اندرجت في عموم الصلوات قبلها، تنبيها على فضلها على غيرها من الصلوات، كما نبه على فضل جبريل وميكال في تجريدهما بالذكر في قوله: * (وملئكته ورسله وجبريل وميكال) * وعلى فضل من ذكر وجرد من الأنبياء بعد قوله: * (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) * الآية، وعلى فضل النخل والرمان في قوله: * (فيهما فاكهة ونخل ورمان) * وقد تكلمنا على هذا النوع من الذكر في قوله: * (وملئكته ورسله وجبريل وميكال) *.
* وكثر اختلاف العلماء، من الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم، في المراد بالصلاة الوسطى، ولهذا قال سعيد بن المسيب: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الصلاة الوسطى هكذا، وشبك بين أصابعه.
والذي تلخص فيه أقوال:
أحدها: أنها العصر، قاله علي، وابن مسعود، وأبو أيوب، وابن عمر في رواية، وسمرة بن جندب، وأبو هريرة، وابن عباس في رواية عطية، وأبو سعيد الخدري، وعائشة في رواية، وحفصة، والحسن بن المسيب، وابن جبير، وعطاء في رواية، وطاووس، والضحاك، والنخعي، وعبيد بن حميد، وذر بن حبيش، وقتادة، وأبو حنيفة، وأحمد، والشافعي في قول، وعبد الملك بن حبيب، من أصحاب مالك، وهو اختيار الحافظ أبي بكر بن العربي في كتابه المسمى (بالقبس في شرح موطأ مالك بن أنس) واختيار أبي محمد بن عطية في تفسيره، وقد استفاض من الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنه قال يوم الأحزاب: (شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا). وقال علي: كنا نراها الصبح حتى قال رسل الله صلى الله عليه وسلم) ذلك، فعرفنا أنها العصر.
وروى أبو مالك الأشعري، وسمرة بن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر، وفي مصحف عائشة، وإملاء حفصة؛ والصلاة الوسطى وهي العصر، ومن روى: وصلاة العصر، أول على أنه عطف إحدى الصفتين على الأخرى.
وقرأ أبي، وابن عباس، وعبيد بن عمير: والصلاة الوسطى، صلاة العصر، على البدل.
الثاني: أنها الفجر، روي ذلك عن عمر، وعلي في رواية، وأبي موسى ومعاذ، وجابر، وأبي أمامة، وابن عمر. في رواية مجاهد، وأنس، وجابر بن زيد، وعطاء وعكرمة، وطاووس في رواية ابنه، ومجاهد، وعبد الله بن شداد، ومالك، والشافعي في قول: وقد قال أبو العالية: صليت مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) الغداة، فقلت لهم: أيما الصلاة الوسطى؟ فقالوا: التي صليت قبل. ورووا عن أبي رجاء العطاردي قال: صلى بنار رسول الله صلى الله عليه وسلم) صلاة الغداة، فقنت فيها قبل الركوع، ورفع يديه، فلما فرع قال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا بها أن نقوم فيها قانتين.
الثالث: أنها الظهر، روي ذلك عن ابن عمر، وزيد، وأسامة، وأبي سعيد، وعائشة. وفي رواية قالوا: وروى زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم) كان يصلي الهاجرة والناس في هاجرتهم، فلم يجتمع إليه أحد فتكلم في ذلك. فانزل الله تعالى: * (حافظوا على) * يريد الظهر، وقد روي أنه لا
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»