تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٥٦
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة حكم المتوفى عنها زوجها، وأن عدتها أربعة أشهر وعشر وأنهن إذا انقضت عدتهن لا حرج على من كان متوليا أمرهن من ولي أوحاكم فيما فعلن من: تعرض لخطبة، وتزين، وترك إحداد، وتزوج وذلك بالمعروف شرعا، وأعلم تعالى أنه خبير بما يصدر منا، وأنه لا جناح على من عرض بالخطبة أو أكن بالخطبة أو أكن التزويج في نفسه، وأفهم ذلك أن التصريح فيه الجناح، ثم، إنه تعالى عذر في التعريض بأن النفوس تتوق إلى التزوج وذكر النساء، ونهى تعالى عن مواعدة السر وهو النكاح، وأباح قولا معروفا من التنبيه به على أن المرأة مرغوب فيها، فإن في ذلك جبرا لها وبعض تأنيس منه لها بذلك. ثم نهى عن بت النكاح قبل انقضاء العدة، وأعلم أن ما في نفس الإنسان يعلمه الله، وأمر بأن يحذر، ولما كان الأمر بالحذر يستدعي مخوفا، أعلم أنه غفور يستر الذنب، حليم يصفح عن المسئ، ليتعادل خوف المؤمن ورجاؤه، ثم ذكر رفع الحرج عن من طلق المرأة قبل المسيس، أو قبل أن يفرض لها الصداق، إذ كان يتوهم أن الطلاق قبل الدخول بها لا يباح، ثم أمر بالتمتيع ليكون ذلك عوضا لغير المدخول بها مما كان فاتها من الزوج، ومن نصف الصداق الذي تشطر بالطلاق، وجبرا لها بذلك ولغير المفروض لها، وأن ذلك التمتيع على حسب وجد الزوج وإقتاره، ولم يعين المقدار، بل قال: إن ذلك بالمعروف، وهو الذي ألف عادة وشرعا، وأن ذلك حق على من كان محسنا. ثم ذكر أنه إذا اطلق قبل المسيس وبعد الفرض فإنه يتشطر المسمى، فيجب لها نصف الصداق إلا إن عفت المرأة فلم تأخذ منه شيئا، أو عفا الزوج فأدى إليها الصداق كاملا إذا كان الطلاق إنما كان من جهته، ثم ذكر أن العفو من أي جهة كان منهما أقرب لتحصيل التقوى للعافي، إذ هو: إما بين تارك حقه، أو باذل فوق الحق. ثم نهى عن نسيان الفضل، ففي هذا النهي الأمر بالفضل.
ثم ختم ذلك بأنه بصير بجميع أعمالهم، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
ولما ذكر تعالى أحكام النكاح، وكادت تستغرف المكلف، نبه تعالى على أشرف العبادات التي يتقرب بها إلى الله تعالى المكلف، وأمر بالمحافظة عليها وهي: الصلوات، وخص الوسطى منها بالذكر تنبيها على فضلها، ومن تسميتها بالوسطى تبين تمييزها على غيرها، وهي بلا شك صلاة العصر، ثم أمر بالقيام لله متلبسين بطاعته، ثم للمبالغة في توكيد إيجاب الصلوات لم يسامح بتركها حالة الخوف، بل أمر أن تؤدى في تلك الحال، سواء كان الخائف ماشيا أو راكبا، وإن كان في ذلك بعض اختلال لشروطها؛ ثم أمر أن تؤدي على حالها الأول من إتمام شروطها، وهيآتها إذا أمن الخائف، وأن يؤديها على الحالة التي علمه الله في أدائها قبل الخوف.
وذكر أن اللواتي يتوفى عنهن أزواجهن لهن وصية بتمتيع إلى انقضاء حول من وفاة الأزواج، وأنهن لا يخرجن من بيوتهن في ذلك الحول، فإن اخترن الخروج فخرجن، فلا جناح على متولي أمرها فيما فعلت في نفسها، ثم أعلم أنه عزيز لا يغلب و يقهر، حكيم بوضع الأشياء مواضعها.
ثم ذكر تعالى أن للمطلقات متاعا مما عرف شرعا وعادة، واقتضى ذلك عموم كل مطلقة، وأن ذلك المتاع حق على من اتقى.
ولما كان تعالى قد بين عدة أحكام فيما تقدم من الآيات، أحال على ذلك التبيين، وشبه التبيين الذي قد يأتي لسائر الآيات بالتبيين الذي سبق. وان التبيين هو لرجائكم أن تتعقلوا عن الله أحكامه فتجنبوا ما نهى تعالى عنه، وتمتثلوا ما به أمر تعالى.
2 (* (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولاكن أكثر الناس لا يشكرون * وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم * من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون * ألم تر إلى الملإ من بنىإسرءيل من بعد موسى إذ قالوا لنبى لهم ابعث لنا ملكا نقاتل فى سبيل الله قال
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»