تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٤٣
ذلك درع وخمار وملحفة، وقال الحسن: يمتع كل على قدره هذا بخادم، وهذا بأثواب، وهذا بثوب، وهذا بنفقة، وهذا قول مالك؛ ومتع الحسن بن علي بعشرين ألفا وزقاق من عسل، ومتع عائشة الخثعمية بعشرة آلاف، فقالت: متاع قليل من حبيب مفارق، ومتع شريح بخمسمائة درهم.
وقال ابن مجيز: على صاحب الديوان ثلاثة دنانير، وقال ابن المسيب: أفضل المتعة خمار، وأوضعها ثوب. وقال حماد: يمتعها بنصف مهر مثلها.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه قال لرجل من الأنصار، تزوج امرأة ولم يسم لها مهر، ثم طلقها قبل أن يمسها: (أمتعتها) قال: لم يكن عندي شيء قال: (متعها بقلنسوتك). وعند أبي حنيفة لا تنقص عن خمسة دراهم، لأن أقل المهر عنده عشرة دراهم، فلا ينقص من نصفها. وقد متع عبد الرحمن بن عوف زوجه أم أبي سلمة ابنه بخادم سوداء، وهذه المقادير كلها صدرت عن اجتهاد رأيهم، فلم ينكر بعضهم على بعض ما صار إليه، فدل على أنها موضوعة عندهم على ما يؤدي إليه الاجتهاد، وهي بمنزلة تقويم المتلفات وأروش الجنايات التي ليس لها مقادير معلومة، وإنما ذلك على ما يؤدي إليه الإجتهاد، وهي من مسألة تقويم المتلفات.
وقرأ الجمهور: على الموسع، اسم فاعل من أوسع؛ وقرأ أبو حيوة: الموسع، بفتح الواو والسين وتشديدها، اسم مفعول من وسع؛ وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبو بكر: قدره، بسكوت الدال في الموضعين؛ وقرأ حمزة، والكسائي، وابن عامر، وحفص، ويزيد، وروح: بفتح الدال فيهما، وهما لغتان فصيحتان، بمعنى حكاهما أبو زيد، والأخفش وغيرهما، ومعناه: ما يطيقه الزوج، وعلى أنهما بمعنى واحد أكثر أئمة العربية، وقيل: الساكن مصدر، والمتحرك اسم: كالعد والعدد، والمد والمدد.
وكان القدر بالتسكين الوسع، يقال: هو ينفق على قدره، أي: وسعه، قال أبو جعفر: وأكثر ما يستعمل بالتحريك إذا كان مساويا للشيء يقال: هذا على قدر هذا.
وقرئ: قدره، بفتح الراء، وجوزوا في نصبه وجهين: أحدهما: أنه انتصب على المعنى، لأن معنى: * (* متعوهن) * ليؤد كل منكم قدر وسعه. والثاني: على إضمار فعل، التقدير: وأوجبوا على الموسع قدره.
وفي السجاوندي: وقرى ابن أبي عبلة: قدره، أي قدره الله. إنتهى. وهذا يظهر أنه قرأ بفتح الدال والراء، فتكون، إذ ذاك فعلا ماضيا، وجعل فيه ضميرا مستكنا يعود على الله، وجعل الضمير المنصوب عائدا على الإمتاع الذي يدل عليه قوله: * (فريضة ومتعوهن) *.
والمعنى: أن الله قدر وكتب الإمتاع على الموسع وعلى المقتر.
وفي الجملة ضمير محذوف تقديره: على الموسع منكم، وقد يقال إن الألف واللام نابت عن الضمير، أي: على موسعكم وعلى مقتركم، وهذه الجملة تحتمل أن تكون مستأنفة بينت حال المطلق في المتعة بالنسبة إلى إيساره وإقتاره، ويحتمل أن تكون في موضع نصب على الحال، وذو الحال هو الضمير المرفوع وفي قوله: * (ومتعوهن) * والرابط هو ذلك الضمير المحذوف الذي قدرناه: منكم.
* (متاعا بالمعروف) * قالوا: انتصب متاعا على المصدر، وتحريره أن المتاع هو ما يمتع به، فهو اسم له، ثم أطلق على المصدر على سبيل المجاز، والعامل فيه * (ومتعوهن) * ولو جاء على أصل مصدر * (ومتعوهن) * لكان تمتيعا، وكذا قدره الزمخشري، وجوز وافيه أن يكون منصوبا على الحال، والعامل فيها ما يتعلق به الجار والمجرور، وصاحب الحال الضمير المستكن في ذلك العامل، والتقدير: قدر الموسع يستقر عليه في حال كونه متاعا، وبالمعروف يتعلق بقوله: ومتعوهن، أو: بمحذوف، فيكون صفة لقوله: متاعا، أي
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»