تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٤٢
سليمان في ذلك، وأن لها نصف صداق مثلها، وإن فرض لها بعد العقد أقل من مهر مثلها لم يلزمها تسليم نفسها، أو مهر مثلها لزمها التسليم، ولها حبس نفسها حتى تقبض صداقها.
وقال أبو بكر الأصم، وأبو إسحاق الزجاج: هذه الآية تدل على أن عقد النكاح بغير مهر جائز، وقال القاضي: لا تدل على الجواز، لكنها تدل على الصحة، أما دلالتها على الصحة فلأنه لو لم يكن صحيحا لم يكن الطلاق مشروعا، ولم تكن النفقة لازمة، وأما أنها لا تدل على الجواز، فلأنه لا يلزم من الصحة الجواز بدليل أن الطلاق في زمان الحيض حرام، ومع ذلك هو واقع صحيح.
* (ومتعوهن) * أي: ملكوهن ما يتمتعن به، وذلك الشيء يسمى متعة. وظاهر هذا الأمر الوجوب، وروي ذلك عن: علي، وابن عمر، والحسن، وابن جبير، وأبي قلابة، وقتادة، والزهري، والضحاك بن مزاحم؛ وحمله على الندب: شريح، والحكم، وابن أبي ليلى، ومالك، والليث، وأبو عبيد.
والضمير الفاعل في * (ومتعوهن) * للمطلقين، والضمير المنصوب ضمير المطلقات قبل المسيس، وقبل الفرض، فيجب لهن المتعة، وبه قال ابن عباس، وابن عمر، وجابر بن زيد، والحسن، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وتندب في حق غيرهن من المطلقات.
وروي عن: علي والحسن، وأبي العالية، والزهري: لكل مطلقة متعة، فإن كان فرض لها وطلقت قبل المسيس، فقال ابن عمر، وشريح، وإبراهيم، ومحمد بن علي: لا متعة لها، بل حسبها نصف ما فرض لها؛ وقال أبو ثور: لها المتعة، ولكل مطلقة.
واختلف فقهاء الأمصار، فقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، وزفر، ومحمد: المتعة واجبة لغير المدخول بها ولم يسم لها، وإن دخل بها متعها، ولا يجبر عليها، وهو قول الثوري، والحسن بن صالح، والأوزاعي، إلا أن الأوزاعي يزعم أن أحد الزوجين، إذا كان مملوكا لم تجب المتعة، وإن طلقها قبل الدخول.
وقال ابن أبي ليلى، وأبو الزناد: المتعة غير واجبة، ولم يفرقا بين المدخول بها وبين من سمي لها ومن لم يسم لها.
وقال مالك: المتعة لكل مطلقة مدخول بها وغير بمدخول، إلا الملاعنة والمختلعة والمطلقة قبل الدخول، وقد فرض لها.
وقال الشافعي: المتعة لكل مطلقة إذا كان الفراق من قبله، إلا التي سمى لها وطلق قبل الدخول.
وقال أحمد: يجب للمطلقة قبل الدخول إذا لم يسم لها مهر، فإن دخل بها فلا متعة، ولها مهر المثل.
وروي عن الأوزاعي والثوري وأبي حنيفة، وقال عطاء، والنخعي، والترمذي أيضا: للمختلعة متعة، وقال أصحاب الرأي: للملاعنة متعة، وقال ابن القاسم: لا متعة في نكاح منسوخ، قال ابن المواز: ولا فيما يدخله الفسخ بعد صحة العقد، مثل ملك أحد الزوجين صاحبه.
وروى ابن وهب عن مالك: أن المخيرة لها المتعة، بخلاق الأمة، تعتق تحت العبد، فتختار، فهذه لا متعة لها.
وظاهر الآية: أن المتعة لا تكون إلا لإحدى مطلقتين: مطلقة قبل الدخول، سواء فرض لها، أو لم يفرض. ومطلقة قبل الفرض، سواء دخل بها أو لم يدخل. وسيأتي الكلام على قوله: * (وللمطلقات متاع بالمعروف) * إن شاء الله تعالى.
* (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) * هذا مما يؤكد الوجوب في المتعة، إذ أتى بعد الأمر الذي هو ظاهر في الوجوب بلفظة: على، التي تستعمل في الوجوب، كقوله: * (وعلى المولود له رزقهن) * * (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) * والموسع: الموسر، والمقتر: الضيق الحال، وظاهره اعتبار حال الزوج، فمن اعتبر ذلك بحال الزوج والزوجة، فهو مخالف للظاهر، وقد جاء هذا القدر مبهما، فطريقة الاجتهاد وغلبة الظن إذ لم يأت فيه بشيء مؤقت.
ومعنى: قدره، مقدار ما يطيقه الزوج، وقال ابن عمر أدناها ثلاثون درهما أو شبهها، وقال ابن عباس: أرفعها خادم ثم كسوة ثم نفقة، وقال عطاء: من أوسط
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»