تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٣٥
وربيعة، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، وروي عن أبي حنيفة.
وقيل: لها النفقة من جميع المال، وروي ذلك عن علي، وعبد الله بن عرم، وشريح، وابن سيرين، والشعبي، وأبي العالية، والنخعي، وخلاس بن عمرو، وحماد بن أبي سليمان، وأيوب السختياني، والثوري، وأبي عبيد.
وظاهر قوله * (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * أنه إذا تربصت هذه المدة ليس عليها أكثر من ذلك، وإن كانت ممن تحيض فلم تحض فيها، وقيل: لا تبرأ إلا بحيضة تأتي بها في المدة، وإلا فهي مستريبة، فتمكث حتى تزول ريبتها.
وأجمع الفقهاء على أن هذه الآية ناسخة لما بعدها من الاعتداد بالحول، وهذا من غرائب النسخ، فإن الحكم الثاني ينسخ الأول، وقيل: إن الحول لم ينسخ، وإنما هو ليس على وجه الوجوب، بل هو على الندب، فأربعة أشهر وعشرا، أقل ما تعتد به المتوفى عنها زوجها، والحول هو الأكمل والأفضل.
وقال قوم: ليس في هذا نسخ، وإنما هو نقصان من الحول: كصلاة المسافر لما نقصت من الأربع إلى الاثنين لم يكن ذلك نسخا، بل كان تخفيفا.
قالوا: واختص هذا العدد في عدة المتوفى عنها زوجها استبراء للحمل فقد روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال: (يكون خلق أحدكم نطفة أربعين يوما، ثم علقة أربعين يوما، ثم مضغة أربعين يوما، ثم ينفخ فيه الروح، أربعة أشهر وزاد الله العشر لأنها مظنة لظهور حركة الجنين، أو مراعاة لنقص الشهور وكمالها، أو استظهارا لسرعة ظهور الحركة أو بطئها في الجنين). قال أبو العالية وغيره: إنما زيدت العشر لأن نفخ الروح يكون فيها، وظهور الحمل في الغالب. وقال الأصمعي: ولد كل عامل يركض في نصف حمله، وقال الراغب: ذكر الأطباء أن الولد في الأكثر، إذا كان ذكرا يتحرك بعد ثلاثة أشهر، وإذا كان أنثى بعد أربعة أشهر، وزيد على ذلك عشرا استظهارا.
قال وخصت العشرة لزيادة لكونها أكمل الأعداد وأشرفها لما تقدم في: * (تلك عشرة كاملة) *.
قال القشيري: لما كان حق الميت أعظم، لأن فراقه لم يكن بالاختيار، كانت مدة وفاته أطول، وفي ابتداء الإسلام كانت عدة الوفاة سنة، ثم ردت إلى أربعة أشهر وعشرة أيام لتخفيف براءة الرحم عن ماء الزوج، ثم إذا انقضت العدة أبيح لها التزوج بزوج آخر، إذ الموت لا يستديم موافاة إلى آخر عمر أحد. كما قيل:
* وكما تبلى وجوه في الثرى * فكذا يبلى عليهن الحزن * * (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى * والاقربين بالمعروف) *. بلوغ أجلهن هو انقضاء المدة المضروبة في التربص، والمخاطبون: بعليكم، الأولياء، أو الآئمة والحكام والعلماء، إذ هم الذين يرجع إليهم في الوقائع، أو عامة المؤمنين. أقوال، ورفع الجناح عن الرجال في بلوغ النساء أجلهن لأنهم هم الذين ينكرون عليهن، ويأخذونهن بأحكام العدد، أو لأنهم إذ ذاك يسوغ لهم نكاحهن، إذ كان ذلك في العدة حراما، فزال الجناح بعد انقضاء العدة.
والذي فعلن بأنفسهن: النكاح الحلال، قاله مجاهد، وابن شهاب، أو: الطيب، والتزين، والنقلة من مسكن إلى مسكن، قاله أبو جعفر الطبري، ومعنى: بالمعروف أي: بالإشهاد، وقيل: ما أذن فيه الشرع مما يتوقف النكاح عليه، وقال الزمخشري: * (فيما فعلن فى أنفسهن) * من التعرض للخطاب، بالمعروف: بالوجه الذي لا ينكره الشرع، والمعنى: أنهن لو فعلن ما هو منكر كان على الأئمة أن يكفوهن، وإن فرطوا كان عليهم الجناح. إنتهى كلامه. وهو حسن.
* (والله بما * تعلمون * خبير) * وعيد يتضمن التحذير، وخبير للمبالغة، وهو العلم بما لطف والتقصي له.
* (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم فى أنفسكم) * نفى الله الحرج في التعريض بالخطبة، وهو: إنك لجميلة، وإنك لصالحة، وإن من عزمي أن أتزوج؛ وإني فيك لراغب، وما أشبه ذلك، أو: أريد النكاح
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»