تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٤٤
ملتبسا بالمعروف، والمعروف هو المألوف شرعا ومروءة، وهو ما لا حمل له فيه على المطلق ولا تكلف.
* (حقا على المحسنين) * هذا يؤكد أيضا وجوب المتعة، والمراد إحسان الإيمان والإسلام. وقيل: المراد إحسان العشرة، فيكون الله سماهم محسنين قبل الفعل، باعتبار ما يؤولون إليه من الإحسان، نحو: (من قتل قتيلا فله سلبه).
وانتصاب حقا على أنه صفة لمتاعا أي: متاعا بالمعروف واجبا على المحسنين، أو بإضمار فعل تقديره: يحق ذلك حقا، أو حالا مما كان حالا منه متاعا، أو من قوله: بالمعروف، أي: بالذي عرف في حال كونه على المحسنين.
* (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة) * لما بين حال المطلقة قبل المسيس وقبل الفرض، بين حال المطلقة قبل المسيس وبعد الفرض، والمراد بالمسيس الجماع، وبالفريضة الصداق، والجملة من قوله: * (وقد فرضتم) * في موضع الحال، ويشمل الفرض المقارن للعقد، والفرض بعد العقد، وقبل الطلاق، فلو كان فرض لها بعد العقد، ثم طلق بعد الفرض، فنصف الصداق بالطلاق لعموم الآية، خلافا لأبي حنيفة، إذ لا يتنصف عنده، لأنه لم يجب بالعقد، فلها مهر مثلها كقول مالك، والشافعي، ثم رجع إلى قول صاحبيه، وجواب الشرط * (فنصف ما فرضتم) *، وارتفاع نصف على الابتداء وقدر الخبر: فعليكم نصف ما فرضتم، أو: فلهن نصف ما فرضتم، ويجوز أن يقدر مؤخرا، ويجوز أن يكون خبرا، أي: فالواجب نصف ما فرضتم.
وقرأت فرقة: فنصف، بفتح الفاء أي: فادفعوا نصف ما فرضتم، وظاهر قوله: ما فرضتم، أنه إذا أصدقها عرضا، وبقي إلى وقت الطلاق وزاد أو نقص، فنماؤه ونقصانه لهما ويتشطر، أو عينا ذهبا أو ورقا فاشترت به عرضا، فنما أو نقص، فلا يكون له إلا نصف ما أصدق من العين لا من العرض، لأن العرض ليس هو المفوض. وقال مالك: هذا العرض كالعين، أصل ثمنه يتشطر، وهذا تفريع على أنه هل يتبين بقاء ملكه على نصفه أو يرجع إليه بعد أن ملكته؟.
وظاهر الآية يدل على أنه لا يتشطر إلا المفروض فلو كان نحلها شيئا في العقد، أو قبله لأجله، فلا يتشطر. وقيل: هو في معنى الصداق.
وظاهر الآية أن الطلاق قبل الجماع وبعد الفرض يوجب تشطير الصداق، سواء خلابها أم قبلها، أم عانقها، أم طال المقام معها، وبه قال: الشافعي، والحسن بن صالح، ولا عدة عليها؛ وروري عن علي، وعمرو بن عمر، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وعلي بن الحسن، وإبراهيم: أن لها بالخلوة جميع المهر. وقال مالك: إن خلابها وقبلها أو كشفها، وكان ذلك قريبا، فلها نصف الصداق، وإن طال فلها المهر، إلا أن يضع منه، وقال الثوري: إذا خلابها ولم يدخل عليها، وكان ذلك من جهته، فلها المهر كاملا، وإن كانت رتقاء فلها شطر المهر. وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وزفر: الخلوة الصحيحة تمنع سقوط شيء من المهر بعد الطلاق، وطئ أو لم يطأ، وهو أن لا يكون أحدهما محرما أو مريضا، أو لم تكن حائضة أو صائمة في رمضان، أو رتقاء، فإنه إذا كان كذلك ثم طلقها وجب لها نصف المهر إذا لم يطأها.
والعبدة واجبة في هذه الوجوه كلها إن طلقها فعليها العدة.
وقال الأوزاعي: إذا دخل بها عند أهلها، قبلها أو لمسها، ثم طلقها ولم يجامعها، وكان أرخى عليها سترا أو أغلق بابا فقد تم الصداق. وقال الليث: إذا أرخى عليها سترا فقد وجب الصداق.
وقرأ الجمهور: فنصف بكسر النون وضم الفاء، وقرأ السلمى بضم النون، وهي قراءة على والأصمعي عن أبي عمرو، وفي جميع القرآن. وتقدم أن ذلك لغة، والاقتصار على قوله: * (فنصف ما فرضتم) * يدل على أن المطلقة قبل المسيس، وقد فرض لها، ليس لها إلا النصف. وكذلك قال مالك وغيره: إن هذه الآية مخرجة للمطلقة بعد الفرض وقبل المسيس من حكم التمتيع، إذ كان قد تناولها قوله: * (ومتعوهن) *.
وقال ابن المسيب: نسخت هذه الآية آية الأحزاب، وقال قتادة: نسخت الآية التي قبلها، وزعم زيد بن أسلم أنها منسوخة، وقال فريق من العلماء، منهم أبو ثور: بينت هذه الآية أن المفروض لها تأخذ نصف ما فرض، ولم تتعرض الآية لإسقاط متعتها بل لها المتعة ونصف المفروض، وقد تقدم الكلام على شيء من هذا.
* (إلا أن يعفون) * نص ابن عطيه وغيره على أن هذا استثناء منقطع، قاله ابن عطية، لأن
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»