تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٤١
غير ظرف زمان ولا مكان، ولا يتأتى هنا أن تكون شرطا بهذا المعنى.
* وزعم ابن مالك أن: ما، تكون شرطا ظرف زمان؛ وقد رد ذلك عليه ابنه بدر الدين محمد في بعض تعاليقه، وتأول ما استدل به والده، وتأولنا نحن بعض ذلك، بخلاف تأويل ابنه، وذلك كله ذكرناه في كتاب (التكميل) من تأليفنا. على أن ابن مالك ذكر أن ما ذهب إليه لا يقوله النحويون، وإنما استنبط هو ذلك من كلام الفصحاء على زعمه.
وزعم بعضهم أن: ما، في قوله * (ما لم تمسوهن) * اسما موصولا والتقدير: إن طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهن، فلا يكون لفظ. ما، شرطا، وهذا ضعيف، لأن: ما، إذ ذاك تكون وصفا للنساء، إذ قدرها بمعنى اللاتي، و: ما، من الموصولات التي لا يوصف بها بخلاف الذي والتي.
وكنى بالمسيس عن المجامعة تأديبا لعباده في اختيار أحسن الألفاظ فيما يتخاطبون.
* (أو تفرضوا لهن فريضة) * الفريضة هنا هو الصداق، وفرضه تسميته.
و: أو، على بابها من كونها تأتي لأحد الشيئين، أو لأشياء، والفعل بعدها معطوف على: تمسوهن، فهو مجزوم، أو معطوف على مصدر متوهم، فهو منصوب على إضمار أن بعد أو، بمعنى إلا. التقدير: ما لم تمسوهن إلا أن تفرضوا لهن فريضة، أو معطوف على جملة محذوفة التقدير: فرضتم أو لم تفرضوا، أو بمعنى الواو والفعل مجزوم معطوف على: تسموهن، أقوال أربعة.
الأول: لابن عطية وغيره والثاني: للزمخشري والثالث: لبعض أهل العلم ولم يسم والرابع: للسجاوندي وغيره.
فعلى القول الأول: ينتفي الجناح عن المطلق عند انتفاء أحد أمرين: إما الجماع، وإما تسمية المهر، أما عند انتفاء الجماع فصحيح، وأما عند انتفاء تسمية المهر فالحكم ليس كذلك، لأن المدخول بها التي لم يسم لها مهر، وهي المفوضة، إذا طلقها زوجها لا ينتفي الجناح عنه.
وعلى القول الثاني: ينتفي الجناح عند انتفاء الجماع إلا إن فرض لها مهر، فلا تنتفي الجناح، وإن انتفى الجماع، لأنه استثنى من الحالات التي ينتفي فيها الجناح حالة فرض الفريضة، فيثبت فيها الجناح.
وعلى القول الثالث: ينتفي الجناح بانتفاء الجماع فقط، سواء فرض أم لم يفرض، وقالوا: المراد هنا بالجناح لزوم المهر، فينتفي ذلك بالطلاق قبل الجماع، فرض مهرا أو لم يفرض، لأنه إن فرض انتقل إلى النصف، وإن لم يفرض، فاختلف في ذلك، فقال حماد بن أبي سليمان: إذا طلقها ولم يدخل بها، ولم يكن فرض لها، أجبر على نصف صداق مثلها، وقال غيره: ليس لها نصف مهر المثل، ولكن المتعة.
وفي هذا القول الثالث حذف جملة، وهي قوله: فرضتم، وإضمار: لم، بعد: أو، وهذا لا يجوز إلا إذا عطف على مجزوم، نحو: لم أقم وأركب، على مذهب من يجعل العامل في المعطوف مقدرا بعد حرف العطف.
وعلى القول الرابع: ينتفي الجناح بانتفاء الجماع، وتسمية المهر معا، فإن وجد الجماع وانتفت التسمية فلها مهر مثلها، وإن انتفى الجماع ووجدت التسمية فنصف المسمى، فيثبت الجناح إذ ذاك في هذين الوجهين، وينتفى بانتفائهما، ويكون الجناح إذ ذاك يطلق على ما يلزم المطلق باعتبار هاتين الحالتين.
وهذه الآية تدل على جواز الطلاق قبل البناء، وأجمعوا على جواز ذلك، والظاهر جواز طلاق الحائض غير المدخول بها، لأن الآية دلت على انتفاء الحرج في طلاقهن عموما، سواء كن حيضا أم لا، وهو قول أكثر العلماء ومشهور مذهب مالك، ولمالك قول يمنع من طلاق الحائض مدخولا بها أو غير مدخول بها، وموت الزوج قبل البناء، وقبل الفرض ينزل منزلة طلاقه قبل البناء وقبل الفرض، فليس لها مهر ولا ميراث، قاله مسروق، وهو مخالف للأصول.
وقال علي، وزيد، وابن عباس، وابن عمر، والزهري، والأوزاعي، ومالك. والشافعي: لها الميراث، ولا صداق لها. وعليها العدة.
وقال عبد الله بن مسعود، وجماعة من الصحابة، وأبو حنيفة، والثوري، وأحمد، وإسحاق: لها صداق مثل نسائها، وعليها العدة، ولها الميراث.
وظاهر الآية يدل على صحة نكاح التفويض، وهو جائز عند فقهاء الأمصار، لأنه تعالى قسم حال المطلقة إلى قسمين: مطلقة لم يسم لها، ومطلقة سمي لها، فإن لم يفرض لها، ووقع الطلاق قبل الدخول، لم يجب لها صداق إجماعا. قاله القاضي أبو بكر بن العربي، وقد تقدم خلاف حماد بن أبي
(٢٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»