موضع لها من الإعراب، قالوا: وهذا قول سيبويه.
قال ابن عطية: إنما يتجه ذلك إذا كان في الكلام لفظ أمر بعد، مثل قوله: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * وهذه الآية فيها معنى الأمر لا لفظه، فيحتاج في هذا التقدير إلى تقدير آخر يستغنى عنه إذا حضر لفظ الأمر، وحسن مجيء الآية هكذا أنها توطئة لقوله: * (فلا جناح عليكم) * إذ القصد بالمخاطبة من أول الآية إلى آخرها للرجال الذين منهم الحكام والنظار عبارة الأخفش والمبرد ما ذكرناه. انتهى كلامه.
وظاهرة قوله: يتربصن، العموم في كل امرأة توفي عنها زوجها، فيدخل فيه الأمة والكتابية والصغيرة.
وروي عن أبي حنيفة أن عدة الكتابية ثلاث حيض إذا توفي عنها زوجها، وروي عنه أن عليها عدة، فإن لم يدخل فلا عدة قولا واحدا، ويتخرج على هذين القولين الإحداد، وتخصيص الحامل قيل: بقوله * (وأولات الاحمال أجلهن) * الآية، ولم يخصص الشافعي هنا العموم في حق الحامل إلا بالسنة لا بهذه الآية، لأنها وردت عقيب ذكر المطلقات، فيحتمل أن يقال: هي في المطلقة. لا في المتوفي عنها زوجها، ولأن كل واحدة من الآيتين أعم من الأخرى من وجه، وأخص منها من وجه، لأن الحامل قد يتوفى عنها زوجها وقد لا يتوفى، والتي توفي عنها زوجها قد تكون حاملا وقد لا تكون، فامتنع التخصيص.
وقيل: الآية تتناول أولا الحوامل، ثم نسخ بقوله: * (وأولات الاحمال) * وعدة الحامل وضع حملها عند الجمهور.
وروي عن علي، وابن عباس، وغيرهما: أن تمام عدتها آخر الأجلين، واختاره سحنون، وروي عن ابن عباس أنه رجع عن ذلك.
ومعنى: * (يتربصن بأنفسهن) * أي: ينتظرن. قيل: والتربص هنا الصبر عن النكاح، قاله الحسن، قال: وليس الإحداد بشيء ولها أن تتزين وتتطيب. وضعف قوله، وقيل: ترك التزوج ولزوم البيت والإحداد، وهو أن تمتنع من الزينة، ومن لبس المصبوغ الجميل مثل الحمرة والصفرة والخضرة، والطيب، وما يجرى مجرى ذلك. وهذا قول الجمهور، وليس في الآية نص على الإحداد، بل التربص مجمل بينته السنة، ثبت في حديث الفريعة قوله صلى الله عليه وسلم): (أمكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله). وكانت متوفى عنها زوجها، قالت: فاعتدد أربعة أشهر وعشرا. وصح أنه قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا، وتلزم المبيت في بيتها). وهذا قول الجمهور، وقال ابن عباس، وأبو حنيفة، وغيرههما: تبيت حيث شاءت، وروي ذلك عن علي، وجابر، وعائشة، وبه قال عطاء، وجابر بن زيد، والحسن، وداود.
قال ابن عباس: قال تعالى: * (يتربصن بأنفسهن) * ولم يقل: يعتددن في بيوتهن، ولتعتد حيث شاءت أربعة أشهر وعشرا، قالوا: معناه وعشر ليال، ولذلك حذف التاء وهي قراءة ابن عباس. والمراد عشر ليال بأيامها، فيدخل اليوم العاشر، قيل:.
وغلب حكم الليالي إذ الليالي أسبق من الأيام، والأيام في ضمنها، وعشر أخف في اللفظ، ولا تنقضي عدتها إلا بانقضاء اليوم العاشر، هذا قول الجمهور.
وقال الأوزاعي، وأبو بكر الأحم: ليس اليوم العاشر من العدة، بل تنقضي بتمام عشر ليال. وقال المبرد: معناه وعشر مدد كل مدة منها يوم وليلة، تقول العرب: سرنا خمسا، أي: بين يوم وليلة قال الشاعر:
* فطافت ثلاثا بين يوم وليلة * وكان النكيرات تضيف وتجأرا * وقال الزمخشري: وقيل عشر إذهابا إلى الليالي والأيام داخلة معها، ولا تراهم قط يستعملون التذكير فيه ذاهبين إلى الأيام، تقول: صمت عشرا، ولو ذكرت خرجت من كلامهم، ومن البين فيه * (إن لبثتم إلا عشرا) * * (إن لبثتم إلا يوما) * انتهى كلامه