تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٣٢
النصف: هو الجزء من اثنين على السواء، ويقال: بكسر النون وضمها، ونضيف: ومنه: ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، أي: نصفه، كما يقال: ثمن وثمين، وعشر وعشير، وسدس وسديس، ومنه قيل: النصف المقنعة التي توضع على رأس المرأة نصيف، وكل شيء بلغ نصف غيره فهو نصف، يقال: نصف النهار ينصف، ونصف الماء القدح، والإزار الساق، والغلام القرآن، وحكى الفراء في جميع هذا: أنصف.
المحافظة على الشيء: المواظبة عليه، وهو من الحفظ، حفظ المكان حرسه، وحفظ القرآن تذكره غائبا، وهو راجع لمعنى الحراسة، وحفظ فلان: غضب، وأحفظه: أغضبه، ومصدر: حفظ، بمعنى غضب: الحفيظة والحفظ.
الركوب: معروف، وركبان: جمع راكب، وهو صفة استعملت استعمال الأسماء، فحسن أن يجمع جمع الأسماء، ومع ذلك فهو في الأسماء محفوظ قليل، قالوا: حاجر وحجران، ومثل، ركبان: صحبان، ورعيان، جمع صاحب وراع، فإن لم تستعمل الصفة استعمال الأسماء لم يجيء فيها فعلان، لم يرد مثل: ضربان وقتلان في جمع: ضارب وقاتل.
* (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما تقدم ذكر عدة طلاق الحيض، واتصلت الأحكام إلى ذكر الرضاع، وكان في ضمنها قوله * (وعلى الوارث مثل ذالك) * أي: وارث المولود له، ذكر عدة الوفاة إذ كانت مخالفة لعدة طلاق الحيض.
وقرأ الجمهور: يتوفون، بضم الياء مبنيا للمفعول وقرأ علي، والمفضل، عن عاصم: بفتح الياء مبنيا للفاعل، ومعنى هذه القراءة أنهم: يستوفون آجالهم.
وإعراب: الذين، مبتدأ واختلف أنه خبر أم لا؟ فذهب الكسائي والفراء إلى أنه لا خبر له، بل أخبر عن الزوجات المتصل ذكرهن: بالذين، لأن الحديث معهن في الاعتداد بالأشهر، فجاء الخبر عما هو المقصود، والمعنى: من مات عنها زوجها تربصت، وأنشد الفراء رحمه الله:
* لعلي إن مالت بي الريح ميلة * على ابن أبي ذيان أن يتندما فقال: لعلي، ثم قال: أن يتندما، لأن المعنى: لعل ابن أبي ذيان إن مالت بي الريح ميلة أن يتندما وقال الشاعر:
بني أسد إن ابن قيس، وقتله بغير دم، دار المذلة حلت ألغى ابن قيس، وقد ابتدأ بذكره وأخبر عن قتله أنه ذل؛ وتحرير مذهب الفراء أن العرب إذا ذكرت أسماء مضافة إليها، فيها معنى الخبر، أنها تترك الإخبار عن الاسم الأول ويكون الخبر عن المضاف، مثاله: إن زيدا وأخته منطلقة، لأن المعنى: إن أخت زيد منطلقة؛ والبيت الأول ليس من هذا الضرب، وإنما أوردوا مما يشبه هذا الضرب قول الشاعر:
* فمن يك سائلا عني فإني وجروة لا ترود ولا تعار * والرد على الفراء، وتأويل الأبيات والآية، مذكور في النحو.
وذهب الجمهور إلى أن له خبرا، واختلفوا، فقيل: هو ملفوظ به، وهو: يتربصن، ولا حذف يصحح معنى الخبر، لأنه ربط من جهة المعنى، لأن النون في: يتربصن، عائد، فقيل: على الأزواج الذين يتوفون، فلو صرح بذلك فقيل: يتربصن أزواجهم، لم يحتج إلى حذف، وكان إخبارا صحيحا، فكذلك ما هو بمعناه، وهو قول الزجاج.
وقيل: ثم حذف يصحح معنى الخبرية، واختلفوا في محل الحذف، فقيل: من المبتدأ، والتقدير: وأزواج الذين، ودل على المحذوف قوله: * (ويذرون أزواجا) * وقيل: من الخبر، وتقديره: يتربصن بعدهم، أو: بعد موتهم، قاله الأخفش.
وقيل: من الخبر وهو أن يكون الخبر جملة من مبتدأ محذوف وخبره يتربصن، تقديره: أزواجهم يتربصن، ودل عليه المظهر، قاله المبرد.
وقيل: الخبر بجملته محذوف مقدر قبل المبتدأ تقديره: فيما يتلى عليكم حكم الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا.
وقوله: * (يتربصن بأنفسهن) * بيان للحكم المتلو، وهي جملة لا
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»