إلا مواعدة معروفة غير منكرة، أو: لا تواعدوهن إلا بأن تقولوا، أي: لا تواعدوهن إلا بالتعريض، ولا يجوز أن يكون استثناء من سرا، لأدائه إلى قولك: لا تواعدوهن إلا التعريض إنتهى كلام الزمخشري. ويحتاج إلى توضيح، وذلك أنه جعله استثناء متصلا باعتبار أنه استثناء مفرغ، وجعل ذلك على وجهين.
أحدهما: أن يكون استثناء من المصدر المحذوف، وهو الوجه الأول الذي ذكره، وقدره: لا تواعدوهن مواعدة قط إلا مواعدة معروفة غير منكرة، فكأن المعنى: لا تقولوا لهن قولا تعدونهن به إلا قولا معروفا، فصار هذا نظير: لا تضرب زيدا ضربا شديدا.
والثاني: أن يكون استثناء مفرغا من مجرور محذوف، وهو الوجه الثاني الذي ذكره، وقدره: إلا بأن تقولوا، ثم أوضحه بقوله: إلا بالتعريض، فكان المعنى: لا تواعدوهن سرا، أي نكاحا بقول من الأقوال، إلا بقول معروف، وهو التعريض. فحذف: من أن، حرف الجر، فيبقى منصوبا أو مجرورا على الخلاف الذي تقدم في نظائره.
والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن الذي قبله انتصب نصب المصدر، وهذا انتصب على إسقاط حرف الجر، وهو: الباء، التي للسبب.
قوله ولا يجوز أن يكون استثناء منقطعا من سرا لأدائه إلى قوله: لا تواعدوهن إلا التعريض، والتعريض ليس مواعد، فلا يصح عنده أن ينصب عليها العامل، وهذا عنده على أن يكون منقطعا نظير: ما رأيت أحدا إلا حمارا. لكن هذا يصح فيه: ما رأيت إلا حمارا، وذلك لا يصح فيه، لا تواعدوهن إلا التعريض، لأن التعريض لا يكون مواعدا بل مواعدا به النكاح، فانتصاب: سرا، على أنه مفعول، فكذلك ينبغي أن يكون: أن تقولوا، مفعولا، ولا يصح ذلك فيه، فلا يصح أن يكون استثناء منقطعا. هذا توجيه منع الزمخشري أن يكون استثناء منقطعا.
وما ذهب إليه ليس بصحيح لأنه لا ينحصر الاستثناء المنقطع فيما ذكر، وهو أن يمكن تلك العامل السابق عليه، وذلك أن الاستثناء المنقطع على قسمين.
أحدهما: ما ذكره الزمخشري، وهو: أن يتسلط العامل على ما بعد؛ إلا، كما مثلنا به في قولك: ما رأيت أحدا إلا حمارا. و: ما في الدار أحد إلا حمارا.
وهذا النوع فيه خلاف عن العرب، فمذهب الحجازيين نصب هذا النوع من المستثنى، ومذهب بني تميم اتباعه لما قبله في الإعراب، ويصلح في هذا النوع أن تحذف الأول وتسلط ما قبله على ما بعد إلا، فتقول: ما رأيت إلا حمارا، وما في الدار إلا حمار. ويصح في الكلام: ما لهم به إلا اتباع الظن.
والقسم الثاني: من قسمي الاستثناء المنقطع هو أن لا يمكن تسلط العامل على ما بعد إلا، وهذا حكمه النصب عند العرب قاطبة، ومن ذلك: ما زاد إلا ما نقص، وما نفع إلا ما ضر. فما بعد إلا لا يمكن أن يتسلط عليه زاد ولا نقص، بل يقدر المعنى: ما زاد، لكن النقص حصل له، وما نفع لكن الضرر حصل، فاشترك هذا القسم مع الأول في تقدير إلا بلكن، لكن الأول يمكن تسليط ما قبله عليه، وهذا لا يمكن.
وإذا تقرر هذا فيكون قوله: * (إلا أن تقولوا) * استثناء منقطعا من هذا القسم الثاني، وهو ما لا يمكن أن يتوجه عليه العامل، والتقدير: لكن التعريض سائغ لكم، وكأن الزمخشري ما علم أن الاستثناء المنقطع يأتي على هذا النوع من عدم توجيه العامل على ما بعد إلا، فلذلك منعه، والله أعلم.
وظاهر النهي في قوله * (لا تواعدوهن سرا) * التحريم حتى قال مالك في رواية ابن وهب عنه، فيمن واعد في العدة ثم تزوجها بعد العدة، قال: فراقها أحب إلي دخل بها أو لم يدخل، وتكون تطليقة واحدة، فإذا حلت خطبها مع الخطاب وروي أشهب عن مالك وجوب التفرقة بينهما. وقال ابن القاسم: وحكى مثل هذا ابن حارث عن ابن الماجشون، وزاد ما تقتضي تأبيد التحريم. وقال الشافعي: لو صرح بالخطبة وصرحت بالإجابة ولم يعقد عليها إلا بعد انقضاء العدة صح النكاح، والتصريح بهما مكروه. وقال ابن عطية: أجمعت الأمة على كراهة المواعدة في العدة للمرأة.
* (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) * نهوا عن العزم على عقدة النكاح، وإذا كان العزم منهيا عنه فأحرى أن ينهي عن العقدة.
وانتصاب: عقدة، على المفعول به لتضمين: تعزموا، معنى ما يتعدى بنفسه، فضمن معنى: تنووا، أو معنى: تصمموا، أو معنى: توجبوا، أو معنى: تباشروا، أو معنى: تقطعوا، أي: تبتوا.