تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٣٦
وأحب امرأة كذا وكذا يعد أوصافها، قاله ابن عباس. أو: إنك لنافقة، وإن قضي شيء سيكون، قاله الشعبي. أو: يصف لها نفسه، وفخره، وحسبه، ونسبه، كما فعل الباقر مع سكينة بنت حنظلة، أو يقول لوليها: لا تسبقني بها، كما قال صلى الله عليه وسلم) لفاطمة بنت قيس: (كوني عند أم شريك ولا تسبقيني بنفسك). وقد أول هذا على أنه منه صلى الله عليه وسلم) لفاطمة على سبيل الرأي فيمن يتزوجها، لا أنه أرادها لنفسه، ولذلك كره مجاهد أن يقول: لا تسبقيني بنفسك، ورآه من المواعدة سرا، أو يقول: ما عليك تأيم، ولعل الله يسوق إليك خيرا، أو رب رجل يرغب فيك، أو: يهدي لها ويقوم بشغلها إذا كانت له رغبة في تزويجها.
قال إبراهيم: أو يقول كل ما سوى التصريح، قاله ابن زيد، والإجماع على أنه لا يجوز التصريح بالتزويج، ولا التنبيه عليه، ولا الرفث، وذكر الجماع، والتحريض عليه. وقد استدلت الشافعية بنفي الحرج في التعريض بالخطبة على أن التعريض بالندب لا يوجب الحد، فكما خالف نهي حكمي التعريض والتصريح في الخطبة، فكذلك في القذف.
* (أو أكننتم فى أنفسكم) * أي: أخفيتم في أنفسكم من أمر النكاح فلم تعرضوا به ولم يصرحوا بذكر، وكان المعنى رفع الجناح عمن أظهر بالتعريض أو ستر ذلك في نفسه، وإذا ارتفع الحرج عمن تعرض باللفظ فأحرى أن يرتفع عمن كتم، ولكنهما حالة ظهور وإخفاء عفي عنهما، وقيل: المعنى أنه يعقد قلبه على أنه سيصرح بذلك في المستقبل بعد انقضاء العدة، فأباح الله التعريض، وحرم التصريح في الحال، وأباح عقد القلب على التصريح في المستقبل.
ولا يجوز أن يكون الإكنان في النفس هو الميل إلى المرأة، لأنه كان يكون من قبيل إيضاح الواضحات، لأن التعريض بالخطبة أعظم حالا من ميل القلب.
* (علم الله أنكم ستذكرونهن) * هذا عذر في التعريض، لأن الميل متى حصل في القلب عسر دفعه، فأسقط الله الحرج في ذلك، وفيه طرف من التوبيخ، كقوله: * (علم الله أنكم كنتم تختانون) * وجاء الفعل بالسين التي تبدل على تقارب الزمان المستقبل لا تراخيه، لأنهن يذكرن عندما انفصلت حبالهن من أزواجهن بالموت، وتتوق إليهن الأنفس، ويتمنى نكاحهن.
وقال الحسن، معنى: ستذكرونهن، كأنه قال: إن لم تنهوا. إنتهى.
وقوله: ستذكرونهن، شامل لذكر اللسان وذكر القلب، فنفى الحرج عن التعريض، وهو كسر اللسان، وعن الإخفاء في النفس وهو ذكر القلب.
* (ولاكن لا تواعدوهن سرا) * هذا الاستدراك من الجملة التي قبله، وهو قوله: ستذكرونهن، والذكر يقع على أنحاء وأوجه، فاستدرك منه وجه نهي فيه عن ذكر مخصوص، ولو لم يستدرك لكان مأذونا فيه لا لدراجه تحت مطلق الذكر الذي أخبر الله بوقوعه، وهو نظير قولك: زيد سيلقى خالدا ولكن لا يواجهه بشر، فاستدرك هذه الحالة مما يحتمله اللقاء، وإن من أحواله المواجهة بالشر، ولا يحتاج لكن إلى جملة محذوفة قبلها، لكن يحتاج ما بعد: لكن، إلى وقوع ما قبله من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، لأن نفي المواجهة بالشر يستدعي وقوع اللقاء.
قال الزمخشري، فإن قلت، أين المستدرك بقوله: * (ولاكن لا تواعدوهن) *. قلت، هو محذوف لدلالة: * (ستذكرونهن) * عليه * (علم الله أنكم ستذكرونهن) * فاذكروهن * (ولاكن لا تواعدوهن سرا) * إنتهى كلامه.
وقد ذكرنا أنه لا يحتاج إلى تقدير محذوف قبل لكن، بل الاستدراك جاء من قبل قوله: ستذكرونهن، ولم يأمر الله تعالى بذكر النساء، لا على طريق الوجوب، ولا الندب، فيحتاج إلى تقدير: فاذكروهن، على ما قررناه قبل قولك: سألقاك ولكن لا تخف مني، لما كان اللقاء من بعض أحواله أن يخاف من الملقى استدرك فقال: ولكن لا تخف مني.
والسر ضد الجهر، ويكنى به عن الجماع حلاله وحرامه، لكنه في سر، وقد يعبر به عن العقد، لأنه سبب فيه، وقد فسر: السر، هنا: بالزنا الحسن،
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»