تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٢٧
عليه، ولأن المولود له. وهو الأب هو المحدث عنه في جملة المعطوف عليه، والمعنى: أنه إذا مات المولود له وجب على وارثه ما وجب عليه من رزق الوالدات، وكسوتهن بالمعروف، وتجنب الضرار. وروي هذا عن عمر، والحسن، وقتادة، والسدي: وخصه بعضهم بمن يرث من الرجال يلزمه الإرضاع كما كان يلزم أبا الصبي. لو كان حيا، وقاله مجاهد، وعطاء. وقال سفيان: الوارث هو الباقي من والدي المولود بعد وفاة الآخر منهما، ويرى مع ذلك إن كانت الوالدة هي الباقية أن يشاركها العاصب إرضاع المولود على قدر حظه من الميراث، كما قال: (واجعله الوارث منا).
وقال قبيصة بن ذؤيب، والضحاك، وبشير بن نصر، قاضي عمر بن عبد العزيز الوارث هو الصبي نفسه، أي: عليه في ماله إذا ورث أباه إرضاع نفسه، وقال بعضهم: الوارث الولد تجب عليه نفقة الوالدين الفقيرين، ذكره السجاوندي عن قبيصة بن ذؤى ب.
فعلى هذه الأقوال تكون: الألف واللام في قوله: * (وعلى الوارث) * كأنها نابت عن الضمير العائد على: المولود له، كأنه قيل: وعلى وارث المولود له. وقال عطاء أيضا، ومجاهد، وابن جبير، وقتادة، والسدي، ومقاتل، وابن أبي ليلى، والحسن بن صالح في آخرين: الوارث وارث المولود.
واختلفوا، فقيل: وارث المولود من الرجال والنساء، قاله زيد بن ثابت، وقتادة، وغيرهما، ويلزمهم إرضاعه على قدر مواريثهم منه.
وقيل: وارثه من عصبته كائنا من كان، مثل: الجد، والأخ، وابن الأخ، والعم، وابن العم. وهذا يروى عن عمر، وعطاء، والحسن، ومجاهد، وإسحاق، وأحمد، وابن أبي ليلى.
وقيل: من كان ذا رحم محرم، فإن كان ليس بذي رحم محرم لم يلزمه شيء، وبه قال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، والشافعي، قال: الأجداد ثم الأمهات مثل ذلك أي: الأجرة والنفقة وترك المضارة.
وعلى هذه الأقوال تكون الألف واللام كأنها نابت عن ضمير يعود على المولود، وكأنه قيل: وعلى وارثه أي وارث المولود.
وقيل: الوارث هنا من يرث الولاية على الرضيع، ينفق من مال الرضيع عليه، مثل ما كان ينفق أبوه.
فتلخص في الوارث ستة أقوال، وفي بعضها تفصيل كما ذكرناه، فيجيء بالتفصيل عشرة أقوال، والإشارة بقوله: ذلك، من قوله: مثل ذلك، إلى ما وجب على الأب من رزقهن وكسوتهن بالمعروف، على ما شرح في الأقوال في قوله * (وعلى الوارث) * وقاله أيضا ابن عباس، وإبراهيم، وعبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والشعبي، والحسن.
وعبر بعضهم عن هذا القول بأن: مثل ذلك، هو: أجرة المثل والنفقة، قال: ويروى ذلك عن عمر، وزيد، والحسن، وعطاء، ومجاهد، وإبراهيم، وقتادة، وقبيصة والسدي.
واختاره ابن قتيبة.
وقال الشعبي أيضا، والزهري، والضحاك، ومالك وأصحابه، وغيرهم: المراد بقوله: مثل ذلك، أن لا يضار، وأما الرزق والكسوة فلا شيء منهما. وروى ابن القاسم عن مالك أن الآية تضمنت أن الرزق والكسوة على الوارث، ثم نسخ ذلك بالإجماع من الأمة أن لا يضار الوارث. إنتهى.
وأنى يكون بالإجماع وقد رأيت أقوال العلماء في وجوب ذلك؟
وقيل: مثل ذلك، أجرة المثل والنفقة وترك المضارة، روي ذلك عن ابن جبير، ومجاهد، ومقاتل، وأبي سليمان الدمشقي، واختاره القاضي أبو يعلى، قالوا: ويشهد لهذا القول أنه معطوف على ما قبله، وقد ثبت أن على: المولود له النفقة والكسوة، وأن لا يضار، فيكون مثل ذلك، مشيرا إلى جميع ما على المولود له.
* (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) * الضمير في: أرادا، عائد على الوالدة والمولود له، والفصال: الفطام قبل تمام الحولين. إذا ظهر استغناؤه عن اللبن، فلا بد من تراضيهما، فلو رضي أحدهما وأبى الآخر لم يجبر، قاله مجاهد، وقتادة والزهري، والسدي وابن زيد، وسفيان وغيرهم.
وقيل: الفطام سواء كان في الحولين أو بعد الحولين قاله ابن عباس.
وتحرير هذا القول أنه قبل الحولين لا يكون إلا بتراضيهما، وأن لا يتضرر
(٢٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 ... » »»