ولا يحتاج إلى تأويل عشر بأنها ليال لأجل حذف التاء، ولا إلى تأويلها بمدد، كما ذهب إليه المبرد، بل الذي نقل أصحابنا أنه: إذا كان المعدود مذكرا وحذفته، فلك فيه وجهان.
أحدهما، وهو الأصل: أن يبقى العدد على ما كان عليه لو لم يحذف المعدود، فتقول: صمت خمسة. تريد: خمسة أيام، قالوا: وهو الفصيح، قالوا: ويجوز أن تحذف منه كله تاء التأنيث، وحكى الكسائي عن أبي الجراح: صمنا من الشهر خمسا. ومعلوم أن الذي يصام من الشهر إنما هي الأيام، واليوم مذكر وكذلك قوله:
* وإلا فسيري مثل ما سار راكب * يتمم خمسا ليس في سيره أمم يريد خمسة أيام، وعلى ذلك ما جاء في الحديث، ثم أتبعه بست من شوال، وإذا تقرر هذا فجاء قوله: عشرا على أحد الجائزين، وحسنه هنا أنه مقطع كلام، فهو شبيه بالفواصل، كما حسن قوله: * (إن لبثتم إلا عشرا) * كونه فاصلة، فلذلك اختير مجيء هذا على أحد الجائزين، فقوله: ولو ذكرت لخرجت عن كلامهم، ليس كما ذكر، بل لو ذكر لكان أتى على الكثير الذي نصوا عليه أنه الفصيح، إذ حاله عندهم محذوفا كحاله مثبتا في الفصيح، وجوزوا الذي ذكره الزمخشري على أن غيره أكثر منه، وقوله: ولا تراهم قط يستعملون التذكير فيه، كما ذكر، بل استعمال التذكير هو الكثير الفصيح فيه. كما ذكرنا. وقوله: ومن البين فيه * (إن لبثتم إلا عشرا) * قد بينا مجيء هذا على الجائز فيه، وأن محسن ذلك إنما هو كونه فاصلة، وقوله: * (إن لبثتم إلا يوما) * فائدة ذكر الزمخشري هذا أنه على زعمه أراد الليالي، والأيام داخلة معها، فأتى بقوله: إلا يوما، للدلالة على ذلك، وهذا عندنا يدل على أن قوله: عشرا، إنما يريد بها الأيام، لأنهم اختلفوا في مدة اللبث، فقال قوم: عشر، وقال، أمثلهم: طريقة يوم، فقوله: إلا يوما، مقابل لقولهم إلا عشرا، ويبين أنه أريد بالعشر الأيام، إذ ليس من التقابل أن يقول بعضهم: عشر ليال، ويقول: بعض: يوما.
* وظاهر قوله أربعة أشهر ما يقع عليه اسم الشهر، فلو وجبت العدة مع رؤية الهلال لاعتدت بالأهلة، كان الشهر تاما أو ناقصا. وإن وجبت في بعض شهر، فقيل:
تستوفي مائة وثلاثين يوما، وقيل: تعتد بما يمر عليها من الأهلة شهورا، ثم تكمل الأيام الأول، وكلا القولين عن أبي حنيفة.
ولما كان الغالب على من مات عنها زوجها أن تعلم ذلك، فتعتد إثر الوفاة، جاء الفعل مسندا: إليهن، وأكد بقوله: بأنفسهن، فلو مضت عليها مدة العدة من حين الوفاة، وقامت على ذلك البينة، ولم تكن علمت بوفاته إلى أن انقضت العدة، فالذي عليه الجمهور أن عدتها من يوم الوفاة، وبه قال ابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وعطاء والأسود بن يزيد، وفقهاء الأمصار.
وقال علي، والحسن البصري، وخلاس بن عمرو، وربيعة: من يوم يأتيها الخبر.
وكأنهم جعلوا في إسناد التربص إليهن تأثيرا في العدة. وروي عن سعيد بن المسيب، والشافعي: أنهما قالا: إذا قامت البينة فالعدة من يوم يموت، وإن لم تقم بينة فمن يوم يأتيها الخبر.
وروي عن الشافعي مثل قول الجمهور، وأجمعوا على أن المعتدة، لو كانت حاملا لا تعلم بوفاة الزوج حتى وضعت الحمل، أن عدتها منقضية، ولم تتعرض الآية في المتوفي عنها زوجها إلا لأن تتربص تلك المدة، فلا نفقة لها في مدة العدة من رأس المال، ولو كانت حاملا، قاله جابر، وابن عباس، وابن المسيب، وعطاء، والحسن، وعكرمة، وعبد الملك بن يعلى، ويحيى الأنصاري،