* فما يك من خير أتوه فإنما * توارثه آباء آبائهم قبل وتوجيه المد أن المعنى: ما أعطيتم، و: ما، في الوجهين موصولة بمعنى الذي، والعائد عليها محذوف، وإذا كانت بمعنى أعطى احتيج إلى تقدير حذف ثان، لأنها تتعدى لاثنين أحدهما ضمير: ما، والآخر، الذي هو فاعل من حيث المعنى، والمعنى في: ما آتيتم، أي: ما أردتم إتيانه أو إيتاءه.
* ومعنى الآية، والله أعلم جواز الاسترضاع للولد غير أمه إذا أرادوا ذلك واتفقوا عليه، وسلموا إلى المراضع أجورهن بالمعروف، فيكون ما سلمتم هو الأجرة على الاسترضاع، قاله السدي، وسفيان. وليس التسليم شرطا في جواز الاسترضاع والصحة، بل ذلك على سبيل الندب، لأن في ايتائها الأجرة معجلا هنيا توطين لنفسها واستعطاف منها على الولد، فتثابر على إصلاح شأنه.
وقيل: سلمتم الأولاد إلى من رضيها الوالدان، قاله قتادة، والزهري، وفيه بعد لإطلاق: ما، الموضوعة لما لا يعقل على العاقل، وقيل: سلمتم إلى الأمهات أجرهن بحساب ما أرضعن إلى وقت إرادة الاسترضاع قاله مجاهد.
وقيل: سلمتم ما آتيتم من إرادة الاسترضاع، أي: سلم كل واحد من الأبوين ورضي، وكان عن اتفاق منهما، وقصد خير وإرادة معروف، قاله قتادة.
وأجاز أبو علي: في: ما آتيتم، أن تكون: ما، مصدرية أي: إذا سلمتم الإتيان، والمعنى مع القصر، وكون: ما، بمعنى الذي أن يكون الذي ما آتيتم نقده وإعطاءه، فحذف المضاف وأقيم الضمير مقامه، فكان التقدير: ما آتيتموه، ثم حذف الضمير من الصلة، وإذا كانت مصدرية استغنى الكلام عن هذا التقدير، وروى شيبان عن عاصم: مبينا للمفعول أي: ما آتاكم الله وأقدركم عليه من الأجرة، ونحوها، قال تعالى: * (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) * ويتعلق: بالمعروف، ب: سلمتم، أي: بالقول الجميل الذي تطيب النفس به، ويعين على تحسين نشأة الصبي. وقيل: تتعلق: بآتيتم.
قالوا: وفي هذه الآية دليل على أن للآباء أن يستأجروا لأولادهم مراضع إذا اتفقوا مع الأمهات على ذلك، وهذه كانت سنة جاهلية، كانوا يتخذون المراضع لأولادهم ويفرغون الأمهات للاستمتاع بهن، والاستصلاح لأبداعنهن، ولاستعجال الولد بحصول الحمل، فأقرهم الشرع على ذلك لما في ذلك من المصلحة ورفع المشقة عنهم بقطع ما ألفوه، وجعل الأجرة على الأب بقوله: * (إذا سلمتم) *.
* (واتقوا الله واعلموا أن الله بما * تعلمون * بصير) * لما تقدم أمر ونهي، خرج على تقدير أمر بتقوى الله تعالى، ولما كان كثير من أحكام هذه الآية متعلقا بأمر الأطفال الذين لا قدرة لهم ولا منعة مما يفعله بهم، حذر وهدد بقوله: * (واعلموا) * وأتى بالصفة التي هي: بصير، مبالغة في الإحاطة بما يفعلونه معهم والاطلاع عليه، كما قال تعالى: * (ولتصنع على عينى) * في حق موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، إذ كان طفلا.
قالوا: وفي الآية ضروب من البيان والبديع، منها: تلوين الخطاب، ومعدوله في: * (والوالدات يرضعن) * فإنه خبر معناه الآمر على قول الأكثر، والتأكيد: بكاملين، والعدل عن رزق الأولاد إلى رزق أمهاتهن، لأنهن سبب توصل ذلك. والإيجاز في: * (وعلى الوارث مثل ذالك) * وتلوين الخطاب: في * (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم) * فإنه خطاب للآباء والأمهات ثم قال: * (إذا سلمتم) * وهو خطاب للآباء خاصة، والحذف في: * (أن تسترضعوا) * التقدير: مراضع للأولاد، وفي قوله: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) * إنتهى.
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة أمر الله تعالى الأزواج إذا طلقوا نساءهم فيقاربوا انقضاء العدة بإمساكهن، وهو مراجعتهن