تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٢٢
اختلاف معنى الاثنين دليل على اختلاف البلوغين.
الرابع: الالتفات في * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) * ثم التفت إلى الأولياء فقال: * (فلا تعضلوهن) * وفي الآية، في قوله: ذلك، إذ كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم)، ثم التفت إلى الجمع في قوله: منكم.
الخامس: التقديم والتأخير، التقدير، أن ينكحن أزواجهن بالمعروف إذا تراضوا.
السادس: مخاطبة الواحد بلفظ الجمع، لأنه ذكر في أسباب النزول أنها نزلت في معقل بن يسار، أو في أخت جابر، وقيل ابنته.
* (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) * مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى، لما ذكر جملة في: النكاح، والطلاق، والعدة، والرجعة، والعضل، أخذ يذكر حكم ما كان من نتيجة النكاح، وهو ما شرع من حكم: الإرضاع ومدته، وحكم الكسوة، والنفقة، على ما يقع الكلام فيه في هذه الآية إن شاء الله * (والوالدات) * جمع والدة بالتاء، وكان القياس أن يقال: والد، لكن قد أطلق على الأب والد، ولذلك قيل فيه وفي الأم الوالدات فجاءت التاء في الوالدة للفرق بين المذكر والمؤنث من حيث الإطلاق اللغوي، وكأنه روعي في الإطلاق أنهما أصلان للولد، فأطلق عليهما: والدات.
وظاهر لفظ: الوالدات، العموم، فيدخل فيه الزوجات والمطلقات.
وقال الضحاك، والسدي، وغيرهما: في المطلقات، جعلها الله حدا عند اختلاف الزوجين في مدة الرضاع، فمن دعا منهما إلى إكمال الحولين فذلك له، ورجح هذا القول لأن قوله: والوالدات، عقيب آية الطلاق، فكانت من تتمتها، فشرع ذلك لهن، لأن الطلاق يحصل فيه التباغض، فربما حمل على أذى الولد، لأن إيذائه إيذاء والده، ولأن في رغبتها في التزويج بآخر إهمال الولد.
وقيل: هي في الزوجات فقط، لأن المطلقة لا تستحق الكسوة، وإنما تستحق الأجرة * (يرضعن أولادهن) * صورته خبر محتمل أن يكون معناه خبرا، أي: في حكم الله تعالى الذي شرعه، فالوالدات أحق برضاع أولادهن، سواء كانت في حيالة الزوج أو لم تكن، فإن الإرضاع من خصائص الولادة لا من خصائص الزوجية.
ويحتمل أن يكون معناه الأمر كقوله: * (والمطلقات يتربصن) * لكنه أمر ندب لا إيجاب، إذ لو كان واجبا لما استحق الأجرة. وقال تعالى: * (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) * فوجوب الإرضاع إنما هو على الأب لا على الأم، وعليه أن يتخذ له ظئرا إلا إذا تطوعت الأم بإرضاعه، وهي مندوبة إلى ذلك، ولا تجبر عليه، فإذا لم يقبل ثديها، أو لم يوجد له ظئرا، وعجز الأب عن الاستئجار وجب عليها إرضاعه، فعلى هذا يكون الأمر للوجوب في بعض الوالدات.
ومذهب الشافعي أن الإرضاع لا يلزم إلا الوالد أو الجد، وإن علا. ومذهب مالك: أنه حق على الزوجة لأنه كالشرط، إلا أن تكون شريفة ذات نسب، فعرفها أن لا ترضع.
وعنه خلاف في بعض مسائل الإرضاع * (حولين كاملين) * وصف الحولين بالكمال دفعا للمجاز الذي يحتمله حولين، إذ يقال: أقمت عند فلان حولين، وإن لم يستكملهما، وهي صفة توكيد كقوله * (عشرة كاملة) * وجعل تعالى هذه المدة حدا عند اختلاف الزوجين في مدة الرضاع، فمن دعا منهما إلى كمال الحولين فذلك له.
وظاهر قوله: أولادهن، العموم، فالحولان لكل ولد، وهو قول الجمهور.
وروي عن ابن عباس أنه قال: هي في الولد يمكث في البطن ستة أشهر، فإن مكث سبعة فرضاعه ثلاثة وعشرون، أو: ثمانية، فإثنان وعشرون، أو: تسعة، فأحد وعشرون، وكان هذا القول انبنى على قوله تعالى: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * لأن ذلك حكم على الإنسان عموما.
وفي قوله: يرضعن، دلالة على أن الأم أحق برضاع الولد، وقد تكلم بعض المفسرين هنا في مسائل لا تعلق لها بلفظ القرآن، منها: مدة الرضاع المحرمة، وقدر الرضاع الذي يتعلق به التحريم، والحضانة ومن أحق بها بعد الأم؟ وما الحكم في الولد إذا تزوجت الأم؟ وهل للذمية حق في الرضاعة؟ وأطالوا بنقل الخلاف والدلائل، وموضوع هذا علم الفقه.
* (لمن أراد أن يتم الرضاعة) * هذا يدل على أن الإرضاع في الحولين ليس بحد لا يتعدى، وإنما ذلك لمن أراد الإتمام، أما من لا يريده فله فطم الولد دون بلوغ ذلك إذا لم يكن فيه ضرر للولد، وروي عن قتادة أنه قال: تضمنت فرض الإرضاع على الوالدات، ثم يسر ذلك وخفف، فنزل: لمن أراد أن يتم الرضاعة) * قال ابن عطية: وهذا قول متداع.
قال الراغب: وفي قوله: * (*) * قال ابن عطية: وهذا قول متداع.
قال الراغب: وفي قوله: * (حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) * تنبيه على أنه لا يجوز
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»